ثقافة

“أوغاريت” شعاع من نور الثقافة

بأي اللغات نكتب أوغاريت المحبة التي كانت تكتنزها كل الأيام السالفات؟! تلك الأيام التي تكتنز أبجديات كتبتها لنا الأزمنة في حين كنا في معابدها القديمة، تلك الأيام التي ما زالت حاضرة معنا رغم يتم الحضارات في وقتنا الراهن..
بأي اللغات نكتبكِ، ونكتب أبجديات كانت مقدسة الكلمات عندنا، يقال نحن التاريخ وأسياد الكلمة الأولى، نحن أسيادها الحقيقيون. من الذي يستطيع أن يلغي تواريخ الميلاد من يوميات حياتنا؟! ومن يستطيع شطبها كذلك الأمر من تواريخنا، من أبجديات الفعل الماضي، إن مشكلتنا مع الأفعال هي مشكلة أزلية تاريخية إن صح التعبير، وكم تديننا أقوالنا لأنها لم تتحول إلى أفعال ناطقة بمحدودية الفعل العملي، ما زلنا نكتب عن حضارات فعلت وافتعلت بنا رغم مرور الأزمنة عليها، بقيت شاهداً، لكن ليس شاهد عيان وثيق الصلة يخبرنا عن رسالات النور التي وُضعت هنا.
أوغاريت أنتِ أبجديات المجد الفاعل المنفعل، كم نشتاق إلى أزمنة التفوق الأولى، أزمنة الوقوف على شط الإشعاع الأول؟! كم نشتاق إلى  حكايات الإشراق؟! ذلك الإشراق الذي ما يزال يعبق فينا؟! آهٍ كم نشتاق لمن يذكّرنا بما كنا عليه؟!  أوغاريت ما زالت  تصليّ بنا –تبكي علينا، تستصرخ كل الأوقات فتجدها ثكلى.
أوغاريت أيحكى عن نبأ قدومكِ من جديد، نبأ ما كنا لنصدق حدوثه لولا صوتكِ الذي يسأل، ومازلنا نسمع صوته ينادي علينا: أين أبجديات محبتي، أين سلامي المؤتمن، من باع الايقونات؟! من شجع على إطفاء النور المتوهج  بأفواه حثالة من البشر.
أوغاريت ترتب حقائبها على عجل من أمرها، على عجل من وقتها ووقتنا النازف هناك فوق الرأس المذبوح ينادي وجع شمرا، هذه الكلمة، الرأس المذبوح، ما كنا لنقولها قبل سنوات قليلة مضت وخلت دون أن نلقي معلقات من الاعتذار، أما اليوم فقد أصبح الحال أشبه بفعل المحال، أصبح كابوساً، ونحن نسأل مع أوغاريت المحبة والسلام، نسأل بحق رأس شمرا وإيبلا، بحق المتوسط وأبجديات بحره الهائج هذه الأيام، بحق همزات الوصل التي لم تستطع أن تفعل كما فعلتِ أنتِ يا أوغاريت، لم تستطع أن تمد لنا جسور العبور إلى  العالم كله رغم عصر السرعة وفلسفات محبيه التي لا تنتهي.
بحق هذه المسميات كلها وهمزات القطع أو الوجع التي لا نود ذكرها هنا، هذه الكلمة تقطيع كم تجدد الوجع بذواتنا، تجدد الاشتياق لنور الأحباب، تجدد الاشتياق لكل حضارة مرت من هنا، كما مرّ قديسو هذا العصر، وكانوا  عظماء النور والأبجدية وشعاع الحرف والرسالة كما أوغاريت.
أوغاريت لو تأتين إلينا بمجدكِ الموجود داخل حقيبة كل عسكري وعلى مرمى نظره السامي الآتي من بعيد، من على شطٍ كان لكِ وخُلق من أجل عينيكِ.. أوغاريت في أي المعاجم تقرئين وعلى أي الصفحات تكتبين؟! أتبكين وجعاً علينا، على شعاع الحرف الأول، على قصائد الطين الوجودي وجلبة العهد الأول، كل القصائد ترفض أن تنعى حروفها عندما تبعثن من جديد، من بين ركام الحضارات الأولى ربما؟ الحضارات التي لم تمت وما يزال صوتها ينادي قائلاً: أنقذوا أبنائي حملة الرسالات الضوئية والثقافية في الوقت نفسه.. أوغاريت أتتصلين بنا وتشتاقين إلينا بقدر ما نشتاقُ إليكِ.
منال محمد يوسف