ثقافة

بشير بشير في معرض “ورق.. ورق” السعي لصيغة حروفية وتجريدية معاصرة

وظف الفنان التشكيلي الحرف في لوحته واستفاد من بلاغته التجريدية ومن دلالته الأدبية، وأقحمه البعض في لوحة التصوير كمرافق تزييني لها ليضيف إلى الموضوع البصري شيئاً من روحانية التراث، وبالإشارات الأدبية التي تختصر من جدل التعبير ولوبان الفكرة بين الخط واللون. وقد ظهرت هذه العلامات منذ نهاية النصف الأول للقرن الماضي في تجارب تشكيلية عربية في العراق ومصر، إلا أنها شهدت نمواً وافراً في نهاية الستينيات من القرن ذاته، مترافقاً مع حركة أدبية وفكرية بدأت تطرق أبواب الحداثة في العراق، خاصة على أيدي كوكبة من الشعراء والفنانين الذين أسسوا ما يعرف بجماعة البعد الواحد، ومنهم الرائد شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي ورافع الناصري. لكن الأمر في سورية مختلف من حيث منبع هذا الاتجاه الجديد، إلا أننا نتفق أن تجربة محمود حمّاد الفنان السوري الراحل تعتبر تجربة رائدة فتحت العين على أهمية الحرف العربي كنواة للوحة تشكيلية عربية خالصة عامرة بالتجريد، وتجربة الراحل حماد ليست مقطوعة من شجرة لا أم لها، بل هناك من سبقه في محاولة الوصول إلى “اللوحة الهوية” مثل أدهم ونعيم إسماعيل، وحضور الخطوط العربية التقليدية في الثقافة البصرية العامة سواء في اللوحة الفنية المحض أو مشغولات الحرف.
هذا التقديم المختصر يفيد حين نتناول التجارب الجديدة من الحروفية، هذه الفسحة البصرية التشكيلية الجديدة التي أضحت من أهم المعالم التشكيلية العربية والعالمية الآن، إلا أنها لم تزل تشهد مخاضاً وبعناوين مختلفة المشاغل كالهوية والحداثة والتراث والمعاصرة، لكن حالة المشاعية هي الصفة الأكثر طغياناً على هذه التجارب، وذلك لمشكلات تتعلق بالفكر ومتناولاته القومية والدينية والفلسفية، فضلاً عن أساسها التقني الحامل للمادة الفنية، حيث يتفاوت التعبير تبعاً للتقنية وأصالة المادة وطريقة العرض التي بدأت من لون وقلم وقصب وأحبار وصولاً إلى تقنيات الفيديو آرت والعروض التركيبية، وصولاً إلى المزاوجة بين الكتابة والعناصر الموسيقية والصوتية الأخرى، مساحات واسعة من الفنون أضحت تنطوي تحت مسميات الحروفية الجديدة أو فنون الكتابة أو الفنون الخطية الجديدة.
وفي المعرض السابع عشر للفنان بشير بشير الذي افتتح في دار الأوبرا بعنوان “ورق .. ورق” لم يكن هناك من جديد يذكر أو حضور لنمو التجربة أو ما يتجاوز الأمر المعروف إلا بالتسمية فقط، والتصريح بأنها جديدة بطريقة التنفيذ حيث يعتبر الفنان أن الرسم بمادة الأكريليك على الورق فتحاً من الفتوحات الفنية والتقنية، وحسبي أن في الأمر ضرباً من الهامشية حين تُعتبر هذه التقنية اكتشافاً خاصاً. والمتلقي الذي يمتلك الحد الأدنى من التذوق لا يمكن أن يثير اهتمامه أمر كهذا، بل يذهب إلى أصالة التجربة والتمعن في مضمونها التقنوي الجديد وموضوعات الأعمال التي تناولها المعرض، هذه التجربة لها ما يشبهها أو ما هو أساس لها من التجارب الأخرى وبالأخص تجربة الفنان أنور الرحبي في تسعينيات القرن الماضي القريبة من تجربة الفنان العراقي ضياء العزاوي. وقد قدم الرحبي لمعرض بشير بشير في البروشور المرافق: “إن بشير ليس نقّاشاً وصاحب صنعة، وليس منمنماً، يعمل على إيقاع الظلال وحجوم الورق ليبعث في الأفق جملاً من الضوء موزعاً وحداته ورموزه على عجائنه اللونية والخطية بتوفيقات شكلية أخذت مداها في الرؤية والمضمون، استخرجها من حجوم القص بلغة فنية، فهو ليس مأزوماً في التوفيق بين عنصر وآخر، بل إنه يغلغل نفحات الحروف بأشكاله الدائرية والمثلث والمربع لتطويع التآلف المنشود في النص التشكيلي، سعياً لترتيب صيغة حروفية وتجريدية معاصرة بالشكل والمضمون”.
أكسم طلاع