ثقافة

مسلسلات أنتجت للبيع..وليس للمشاهد السوري

يجب أن نترك الواقع لحاله وندخل عالم القصة، بإمكان القصة أن تدور في أي وقت وأي ظروف، فلماذا علينا أن نعتمد الواقع ونبني عليه جميع قصصنا ومن وضع هذا القانون؟!إن الدراما التلفزيونية ليست وسيلة وثائقية ولا ذاكرة لها،هي وسيلة ترفيهية ليس مطلوبا منها حلولاً ولا عرض للواقع حتى.
هذا العام نحن أمام ثلاثة عناوين للأزمة أولها “عناية مشددة” الذي اختار عدة نماذج لشخصيات سمعنا عنها في الواقع مثل”زكوان” الذي استغل الأحداث ليطلق إجرامه لمصلحته الشخصية و”هموم” التي كانت تقطع الجثث وتبيعها و”امرأة المخطوف” التي تم اغتصابها و”رجل نصاب” بلبوس حزبي،ثم أوجد لكل شخصية منها تخريجة دون حبكة،لقد جسدها وقدمها فقط،ووعد بجزء ثانٍ،ترى هل تتحمل تلك الشخصيات جزءاً ثانياً؟
أيضا “امرأة من رماد” جاء بخطين متوازيين أي قصتين،الأولى بشخصية رئيسة “جهاد” المرأة القوية الغنية التي فقدت ولدها في تفجير لتبدأ قصتها الرومانسية الواضحة بحكبة بسيطة ومكشوفة،والثانية تدور بين عائلتين مسلمتين لكن من مختلفتين! إحداهما خرج ولدها مع الجيش والأخرى أرسلته ليقاتل مع المسلحين، المسلسل عبارة عن تركيبة عجيبة ولملمة لما يدور في الشارع على هامش قصة واضحة شدت لها الجمهور نوعا ما،لأن الجمهور بحاجة لقصة ذات بطل واضح وليس عدة أبطال، أيضا ميزة المسلسل عن غيره كونه يعكس حياة يومية طبيعية فيها تجارة وربح وترف مازالت تجري بغض النظر عن الظروف، ولم يصور الناس كأنها مشردة ولم يبق بيت في سورية قائم على أعمدة!
“بانتظار الياسمين” مجموعة من العائلات المشردة بسبب الأحداث تجمعها الحديقة أي “العراء” وتبدأ بمواجهة مصيرها حيث تنهال عليها المصائب من كل حدب وصوب،لتبين بأن سورية كلها أصبحت خرابا، ولنقرأ من خلال الشخصية التي قدمتها الفنانة سلاف فواخرجي أن هناك انقساماً طائفياً ليس له حل وأن أحدا لن يتمكن من الخروج من الأزمة إلا وقد نيل من عزيز يملكه، فهي قد خسرت شرفها لتكسب ابنتها، حل انهزامي وتفكير محبط، وشخصيات ليس بإمكانها أن تنجو من الواقع فهي ليست بطلة، والقصة دون بطل ليست قصة تستحق أن تروى.
إذا هي ليست عناوين تعرض للأزمة من وجهة نظر وإنما عناوين استغلت الأزمة للبيع،بالإضافة إلى أنها نقلت صورة للمجتمع العربي عموما عن واقع في سورية هو ليس كما تم تصويره، إن المشاهد السوري على اطلاع على كل تفاصيل الأزمة من خلال حياته اليومية،فإذا هذه المسلسلات لم تنتج له وإنما تم إنتاجها للمحطات العربية لأن المشاهد سيكون على فضول،ماذا ستجلب لنا هذه النماذج الثلاثة إلا الشماتة وإعلانات الهزيمة وأين وزارة الإعلام من ذلك؟!
أما المسلسل الأشهر والأكثر متابعة وهو الذي ابتعد عن الأزمة، فهو “صرخة روح” الجزء الثالث  أو خماسيات الخيانة، الذي خشينا العام الماضي أن يكون له جزء ثالث وإذ به فعلا أصبح سفرا في البرنامج الرمضاني السنوي، وهو مجموعة من الخماسيات لمجموعة من الكتاب والمخرجين بحيث تضيع طاسة العمل ويفرق دمه، يعتمد على عدة عوامل جذب منها الترف والغنى الفاحش في الديكورات، بالإضافة للصبايا المثيرات،ثم الموضوع الأحمر لتكتمل شروط الإثارة والتشويق.        ومن الواضح هذا العام أنه تم جمع كتّاب العمل وإعطائهم توجيهات تبين أثرها في النتائج، حيث وجدت في كل خماسية شخصية إيجابية داعمة للرئيسة المنحدرة حتى يدرك المشاهد الذي ينبغي أن يكون فوق الثلاثين وليس فوق الثامنة عشرة فقط بأن ليس كل من في المجتمع خائن، وتم الانتصار نوعا ما للشخصية الإيجابية ولم تبد غبية ووحيدة كما في الجزأين السابقين.
“صرخة روح” من أرخص وأدنى النصوص والأفكار التي يمكن أن تطرح على المستوى الفني، يروج ويعرض للخيانة بأساليب جذابة ومبررات تكاد تشرعها،ولا ندري أين حارس البوابة “الرقابة” من ذلك.
مؤخرا درج هذا الموديل من المسلسلات، موحد الموضوع متعدد القصص التي تخدم عنواناً واحداً مثل “خماسيات الخيانة”، متعدد الكتاب والمخرجين لسهولة إنتاجه ولسرعة الحصول على نص ومخرج وتخفيض الأجور وجذب أكبر عدد من الفنانين،”خماسيات الخيانة”،وإذا كان الغرض من هذه القصص التسلية والترفيه فمن الخطر التسلية بتلك المواضيع لأننا عندما نرى الشذوذ بطريقة محببة سنتعوده وسنشرعه،فإذا المسلسل لا يخدم إلا غرض واحد “البيع” على حساب الفن والقيم والقصة وبنية العمل الفني وكل شيء.
أيضا “طوق البنات” أحد القصص الشامية التي كتبت على مزاج الظروف شأنها شأن جميع المسلسلات الشامية التي امتدت منذ العام الماضي، لكن المعيب أن المسلسل لم يكن بحاجة لجزء ثانٍ،لأن أحداث الجزء الثاني تم ختامها في الخمس حلقات الأولى،عندما التقت مال الشام أخيراً بأهلها وذهب الضابط الفرنسي إلى فرنسا وطلق مريم القصة التي كنا بقمة الشوق لمتابعتها هذا الجزء، لكن على ما يبدو أن مهيار خضور لم يرغب بالاستمرار أو ابتعد لسبب ما فتم استبداله بزوج شامي جديد وقصة جديدة مع السحر الأسود،والمهم أن تبقى مجموعة من النساء تحتار وتولول وتتمايل في أرض الديار! وقد بيع المسلسل كجزء ثانٍ تحت نفس العنوان وإنما هو مسلسل جديد لا يمت للأول بصلة.
لماذا هذه الإطالة لدى جميع الكتاب ليمطط المسلسل على طول أيام العيد،ما هذه الضخامة في الأفكار التي لاتكفيها ثلاثين حلقة،ولماذا عدم الاحترام للمشاهد وإطلاق سراح وقته ليتمتع بأيام العيد،أم أن الربح ببيع عدد أكبر من الحلقات طغى على جميع القوانين،نعم هذا هو الواضح من كل ما ذكرناه.
منذ سنوات كان بعض الفنانين من الأجيال الأولى يقولون بأن هناك قسمين للأعمال الدرامية،قسم محترم يخدم قصة أي “فن” وقسم رخيص تجاري “للبيع”،وكان يقال بأن صيانة المنتج “المادة المكتوبة” كان يحرسها الفنان الذي عانى في بداياته بمواجهة مجتمع كان يرفض مهنة التمثيل،فلم يكن يمثل ما ليس محترما،واليوم العتب على من شارك في هذه المسلسلات ولم يخش أن يبدو غير محترما!
حلا خيربك