ثقافة

في رحاب الذكرى

سلوى عباس
سريعاً يمر العمر وتمضي الأيام لتسترجع الذاكرة صدى تلك الأيام في وقت تعاني فيه سورية نزفاً وألماً، سورية التي سخّر لها الشاعر سليمان العيسى كل إبداعه، وأحبها بكل جوارحه، فكانت عشقه الأول الذي ظل يتغنى به حتى آخر لحظة في حياته، فقد آمن بها بلداً قوياً ومنيعاً على الأعداء، وعلى الرغم من كل شيء ظل يردد حتى آخر نبض أنها بخير، متوسماً بشبابها الذين يذكرونه بشبابه وأيام النضال كل الخير، ولم ينس أنهم حرصوا على سورية الوطن، وحافظوا على سيادتها حرة أبية، هذا الحلم الذي رافقه وسكن روحه منذ اللحظة التي وعى فيها معنى أن يكون عربياً.
في هذه الأيام تمر الذكرى السنوية الثانية لرحيل الشاعر الكبير سليمان العيسى، وقد أقام فرع نقابة المهندسين في محافظة دمشق حفلاً تكريمياً للشاعر العيسى في هذه المناسبة في مبنى نقابة المهندسين، حضره عدد من أصدقاء الشاعر والمهتمين  بالأدب والثقافة. هذا التكريم الذي يؤكد على افتخار الوطن بأبنائه، وأنه مهما اشتدت الأزمات هم باقون في الوجدان.
في هذا التكريم حضرت شجرة السنديان، التي كانت شاهدة على صرختهم الأولى بميلاد بعث جديد، وأمة عربية واحدة وانبلاج فجر جديد، وقصة أسطورة الشعر سليمان العيسى التي غزل تحتها أولى أحلامهم الوردية مع مجموعة من أصدقائه، بل كانت ملهمة لهم للكثير من الأفكار.. هذا ماتحدث به الشاعر سليمان حداد مخاطباً صديقه الشاعر سليمان العيسى الذي عاد في لحظة اشتياق إلى شجرته مثقلاً بخيبات رمتها على كاهله ورقات الزمن، فأخذت تهدهد روحه المتعبة، وتدعوه ليتفيأ بأغصانها، ويغترف حفنة ماء من نبعها يغسل بها وجهه المرهق، وليتنسم عبق هوائها النقي العليل، علّه يتخفف من بعض أوجاعه، فاستجاب لدعوتها كما كان يفعل في شبابه، ويستعيد رجع الحلم والحكايات القديمة التي كان ينسجها مع أصدقائه عن وطنهم المرتجى، وكيف كانوا يتشاطرون الهموم، وعلى رغيف الخبز والزيتون يكتبون أولى أحلامهم الرائعة، ويبشرون بها هذه الأرض العطشى.. بـ “أمة عربية واحدة.. وطن عربي واحد”.
الآن نعيش ذكرى الرحيل الثانية للشاعر سليمان العيسى.. وشجرة السنديان الشامخة شموخ قاسيون ما زالت شاهدة على أحلام رسمها الشباب بعمر العنفوان وعطر الورد، وزيّنوها بقناديل الأمل لتزهر أمنيات كبيرة وعظيمة تليق بعظمة شجرة ستبقى تروي للأجيال القادمة قصة شباب عربي جمعهم حب الوطن، فجلسوا تحت ظلها يناجون أرواحهم بغد عربي يباهون به الأمم، فكانت تلك السنديانة أمينة على هذه الأحلام، وستبقى وفية للشاعر سليمان العيسى ورفاقه، وأمينة على أحلام نسجوا عبرها قصة الفجر الأول، التي ستكون نبراساً للأجيال القادمة، وستبقى أشعار شاعرنا الراحل سيمفونية حب يرددها أطفال سورية، بتلازم مع النشيد الوطني ونشيد البعث الذي كان أول المبشرين به.