ثقافة

بين الأدب والسيناريو

سلوى عباس
مازالت الرواية التلفزيونية مضطهدة بالنسبة للفنون الأخرى، سواء الرواية الأدبية أو المسرح أو السينما، ومازالت تبحث عن هويتها ومكانتها بين هذه الفنون، فهناك من يصف التلفزيون أنه “ فن منحط “ لأنه يلامس بخطابه فئات شعبية مختلفة، بعكس الفنون الأخرى التي تتوجه إلى جمهور نخبوي.
مرة سألت أحد الكتاب الذين يكتبون الأدب والدراما بماذا تختلف كتابته للرواية عن كتابته للدراما من حيث تقنية الكتابة؟ فأجابني أنه لا يوجد أي شبه بينهما، فالرواية فن مختلف عن الدراما، هما يشتركان في الحكاية والشخصيات، لكن طريقة البناء والشغل مختلفة، فالدراما مفاجآتها قليلة، وبالنسبة للرواية الموضوع وفكرة التحدي مختلفة تماماً، فعندما أنجز عشر صفحات في الرواية، أشعر أني بذلت جهداً كبيراً، وهناك صعوبة حتى أرضى عن هذه الصفحات، لذلك الكتابة للدراما أسهل بكثير من كتابة الرواية. والأفكار التي تقولها الدراما تختلف عن الأفكار التي تقولها الرواية بحكم اختلاف الفنين، وأنا مقتنع أنه لا يمكن كتابة رواية عن حدث آني، لأن فكرة تأمل صورة الحدث وحقائقه تفيد في الدراما، وما وراء صورة الحدث يشكل أساساً للرواية.
هناك روائيون كثر يكتبون للتلفزيون، لكنهم يرفضون أن تحوّل أعمالهم الروائية إلى سيناريوهات تلفزيونية بحجة أنه لايمكن للعمل الأدبي أن يحافظ على قيمته الأدبية ضمن شروط الإنتاج القائمة اليوم. ومن المفارقة أن بعض الروائيين الذين يكتبون للتلفزيون يرون في فن الدراما فضاء مفتوحاً للعب والاستمتاع والكتابة العميقة، من خلال التعبير عن أفكار تخص شريحة كبيرة من الناس قد تختلف مع الكاتب في هذه الأفكار وقد تتفق معه، فالأفكار التي يضمّنها للدراما تختلف عن الأفكار التي يضمنها للرواية بحكم اختلاف الفنين، ومع الفرق الكبير بين العمل الروائي المكتوب للتمثيل والعمل الروائي المكتوب للقراءة، لكن هذا لاينفي نجاح الكثير من الروايات التي حُوّلت لأعمال تلفزيونية وسينمائية، وهناك أعمال درامية كثيرة أخذت سيناريوهاتها عن روايات.
بالتأكيد لايمكننا تجاهل ميزة الرواية الأدبية بقدرتها على تحريض خيال القارئ، وتحويلها لرواية تلفزيونية يفقدها هذه الميزة، بالمقابل هناك روايات كثيرة كان للدراما التلفزيونية دور كبير في شهرتها وتعريف الجمهور إليها. وباعتبار الدراما اليوم أصبحت أكثر حضوراً فقد أصبح هناك كتّاب متخصصون في الكتابة الدرامية، وحل السيناريو محل مايسمى الرواية التلفزيونية، وخف الاعتماد على موضوعات الروايات الأدبية، وقد حققت الكتابة التلفزيونية حضوراً أعطى الدراما أهمية كبرى، لما تتضمنه من موضوعات تلامس شريحة واسعة من الناس، واعتماداً على هذا الحضور هل يمكننا القول إن السيناريو أو النص التلفزيوني حقق للرواية التلفزيونية هويتها المفقودة؟.