«تغريدة أبو السلام» إحياء لتقاليد المسرح الوطني الفلسطيني
لفت العمل المسرحي: “تغريدة أبو السلام” الذي قدم مؤخراً على خشبة مسرح القباني، اهتمام النقاد، منهم من اتهمه بالمباشرة، وبأنه لم يقدم جديداً، في حين رآه البعض الآخر عملاً إبداعياً يعالج قضية ساخنة، ويحمل خطاباً عاماً في ظل موجة الهجرة التي نعيشها، ونظراً لما تحمله المسرحية من قيمة فنية وإبداعية، فقد كرّمت جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية أسرة العمل، وذلك في مقر الجمعية، وقد أكد رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية عبد الكريم الشرقي أنه تم اختيار هذا النمط من التكريم من خلال الجلسة الحوارية لخلق جو من النقاش لطرح الأفكار حول أهمية ما طرحته المسرحية، معتبراً أن التكريم الحقيقي لصناع المسرحية هو باستمرار عرضها، وتأمين ذلك في أكثر من مكان، لأنها تطرح موضوعاً مهماً في هذه المرحلة، ولأن جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية تنطلق في عملها من أهمية بناء الإنسان، والمسرح من أهم أدوات هذا البناء في وجه الهجمة الفكرية التي نتعرض لها.
بدوره رأى مسؤول هيئة العمل الثقافي في الجمعية، عمر محمد جمعة، في العرض المسرحي عودة لتقاليد المسرح الفلسطيني، معتبراً أن العمل أعاد توجيه البوصلة إلى وضعها الطبيعي نحو القضية الفلسطينية لتبقى هاجس كل عربي.
وقدم الناقد أحمد هلال رأياً نقدياً في المسرحية من خلال طرح العديد من التساؤلات التي أبرزت أهمية المسرحية كعمل فني فكري يتناول قضية ملحة، وينبئ بعودة حقيقية للمسرح الوطني الفلسطيني، حيث أكد هلال أن الحديث عن “تغريدة أبو السلام” مناسبة لإعادة سؤال يتعلق بتقاليد المسرح الفلسطيني، وإعادة إحياء هذه التقاليد في هذه اللحظة بالذات، بما تطرحه من أفكار ورؤى قيل إنها مقابلة للواقع أو صورة له، لاسيما أن موضوعتها التي طرحتها تخص الذين هُجّروا من بيوتهم قسراً، وهي ليست موضوعة شخص يكابد آلام الهجرة أو التهجير، لكن السؤال الأساسي الذي توقف عنده هلال هو: كيف يكون الفن معادلاً موضوعياً للواقع الذي لا يختزل بالهجرة وتوابعها وتجلياتها، وإنما الفن في سؤال إعادة إحياء تقاليد المسرح الوطني الفلسطيني، وإعادة السؤال: أين نحن في هذا الزمن؟! وما الدور الذي يقوم به الفن؟ هل هو مجرد تأسيس على الواقع، أم الانطلاق منه إلى آفاق جديدة، أم إعادة بناء الواقع وفق رؤية جديدة، و”تغريدة أبو السلام” بكل موضوعاتها وحكايتها الأساسية هي الموضوع المفتوح الذي لا ينتهي بمجرد إسدال الستارة على العرض، وإنما تشتق منه كل الأسئلة القادمة، أسئلة الفلسطيني، والسوري، والعربي، وكل من اكتوى بنار الأزمة، وعلى المستوى الفني رأى هلال أن العرض لا يحاكي الواقع، وإنما سعى لتأسيس نظرة جديدة لهذا الواقع، على الرغم من أن الحكاية فيه كانت حكاية الواقع اليوم، وقد تضافرت أدوات العرض الذي قدم بصيغة المونودراما، الصيغة البصرية الشاقة والمغامرة بامتياز مقابل شخص واحد، لكننا عبر حيثيات العمل كنا مقابل أصوات كثيرة وأزمنة، كما تضافرت المستويات التقنية والفكرية والجمالية في العرض الذي قدم بنجاح، لأنه يمتد في اللاوعي والوعي ليحاكي كل أزمنتنا الآن، متكئاً على الحاضر ليشتق أسئلة المستقبل، وقد وضعتنا جرأة النص، وكفاءة الأداء للفنان “عبد الرحمن أبو القاسم” أمام حلقة جديدة من عودة المسرح، وسؤال المؤسسات الثقافية الفلسطينية كيف تنهض بأدوارها وتستعيد المبادرة التي غُيبت بفعل التجاذبات السياسية وسواها؟!.
عودوا لبلادكم
وشدد الفنان عبد الرحمن أبو القاسم على أن المؤامرة والهجمة التي نشهدها اليوم على الوطن العربي، وخصوصاً على سورية، تهدف إلى تفريغ الساحة العربية من طاقاتها الشابة الفاعلة التي يمكن أن تغيّر وجه التاريخ، وهذا يصب في مصلحة إسرائيل التي تريد تفريغ الساحة العربية من العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، و”تغريدة أبو السلام” تنطلق من وضع خطوط حمر على مسألة الهجرة، وتقول يا شباب هذا الزمن لا تذهبوا خارج حدود الوطن، هناك مشروع يريد طمس القضية الفلسطينية.. في المسرحية صرخة موجعة لأبنائنا الذين ذهبوا وهم لا يدرون لماذا، وإلى أين، أن عودوا لبلادكم حتى لو كان الموت ينتظركم.
رسالة الفنان تختصر المسافات
من جهته قال مؤلف العمل داود أبو شقرا: إن العمل صرخة في ظل واقع يتعرض لظروف أليمة، معتبراً أن العدوان الذي تتعرض له بلدنا والوطن العربي يستهدف المشروع القومي المقاوم، فالمشروع الغربي يريد أن يهزمنا بأدوات من الداخل من خلال أبنائنا المضللين، لذا نحن أمام مسألة أخلاقية في أن نعيد هؤلاء إلى جادة الصواب، وأن نحافظ عليهم، وتابع أبو شقرا: كنت على الدوام أطرح من خلال عملي الإعلامي شعار أن الثقافة والفكر تحتوي السياسة وتتقدم عليها، والدليل أن كل ثورات العالم بدأت بجمعيات ثقافية وفكرية، من هنا يمكن للفنان أن يكون أفضل رسول للواقع السياسي، لأن رسالته تختصر المسافات، وتصل إلى القلوب، والفن ليس فقط تلك اللغة الفوتوغرافية التي تنقل الواقع فحسب، وإنما فيه تلك الإحالة والدلالة والإبداع، وما قدمه الفنان أبو القاسم على خشبة المسرح لمدة أكثر من ساعة، وتمرده على جسده وشيخوخته، هو عمل يعجز عنه أبناء الثلاثين.
غياب للمؤسسات
وتحدث الفنان محمود خليلي عن تجربته في المسرحية من خلال السينوغرافيا، مؤكداً أنها التجربة الثالثة مع الفنان أبو القاسم، مشيداً بالجهود الكبيرة لهذا الفنان في مجال المسرح والدراما، وتحدث خليلي عن معاناة الفنان الفلسطيني، وتحمّله العبء المادي في ظل غياب دور المؤسسات الوطنية الفلسطينية في هذا المجال.
وفي نهاية الجلسة الحوارية، وبعد عدة مداخلات من الحضور، قدم رئيس الجمعية الدروع التذكارية لكل من: الفنان عبد الرحمن أبو القاسم، وللكاتب داود أبو شقرا.
جلال نديم صالح