ثقافة

هل اللوحة عمل أدبي

سلوى عباس
من هذا العنوان ندخل إلى علاقة الفنون مع بعضها، ففي الفن التشكيلي مثلاً غالباً مانقرأ اللوحة التشكيلية بأسلوبية الفنان وتقنياته وألوانه، شغفه بالفن وعشقه له، لكن قراءتنا هذه تحمل في وجهها الآخر قراءة إنسانية لذاتية الفنان وتجلّيه الوجداني لحظة انفراده مع لوحته،  كيف تتألق روحه بالقلق والنزق لتنجز إبداعاً مشغولاً بمداد الحياة؟ وهل تستوعب اللوحة أو العمل الفني هذا القلق والدّفق الداخلي أم أنها تضيق عليه لتتحول إلى منتج إبداعي آخر يشكل حالة بوح يعيشها عبر الورق كقصيدة أو خاطرة أو رواية، أو أي حالة وجدانية أخرى. وفي رصد لهذه اللحظة عند الفنانين التشكيليين وكيف يعيشونها نرى وجهات نظر أغلبهم تتقاطع حول ماهيّة العمل الفني من خطوط وألوان وتقنيات، ويختلفون في طريقة تعبيرهم عن لحظة البوح التي يتماهى فيها الفنان مع لوحته ليتحوّل هاجسه وانفعاله لحالة تعبيرية تتناغم مع رؤيته الفنية وتعبّر عن توقه الذاتي في التألق الروحي. ونجد التداخلات الشعرية والقصصية والموسيقية، وأشكالاً أخرى من التعبير قد يتطور بعضها إلى درجة تتماثل في الإنتاج الفكري الأول “أي اللوحة”، وبالتالي نجد أنفسنا في منطقة أخرى تحمل في ثناياها ذات الأسلوب في التقصّي وتختلف في الشكل الفني الخارجي، وهذا مانجده عند كثير من الفنانين التشكيليين، فهناك تشكيليون شعراء، وقصاصون، ومسرحيون وموسيقيون.. الخ وبعضهم ممن سموا أنفسهم في وجدانياتهم الشعرية الطارئة (شعراء الظل) وأقاموا ندوات شعرية وجدانية، وآخرون تركوا لنا دواوين وروايات ومسرحيات، وأحياناً أخرى يتضافر الجديّ بالهزليّ. والإنسان منذ بداية الخلق كان ومازال يبحث عن مساحات أكبر من أجل التواصل مع هذا الكون عبر لغة تحمل ملامح الأنا في الكل، من خلال البحث والتجربة وامتلاك حالة من الوعي لقيم الحق والجمال، وما لحظات التجلّي والانصهار إلّا حالة انفلات من القوانين للوصول إلى حالات تتسم بالحرية، وتحمل ومضات إبداعية، وهذا ما نقرأه في حوار الشاعر أدونيس مع الفنان التشكيلي فاتح المدرس، هذا الحوار الذي تماهى فيه أدونيس الشاعر بالرسام، فابتكر الاثنان قصيدة تشكيلية شديدة الإضاءة على علاقة الإنسان بالفن وعلاقة الشعراء بالفنانين، وعلى المفردات المشتركة التي يترجمها الشعراء بشعرية بصرية، والرسامون يقدمون صياغات إبداعية على سطح اللوحة. نقرأ عبر الحوار تجلّيات مفكِرَين صديقين عبّرا بلغة تعبيرية قوامها المصارحة والعفوية، عمّا وراء الكلام، وعن رؤية كل منهما للعالم بإدراكه الخاص ونظرته الرمزية.
لقد أوحى الحوار التفاعلي الممتد أياماً بين أدونيس والمُدرّس، بتكامل ضمني ما بين الشعر والرسم، على الرغم من وجود اختلافات في أساليب التعبير والتأثيرات اللونية واللغوية والمكانية، وهو كشف عن عوالم مستترة يعيشها المبدعون بين مناطق الإغواء والشغف والمشاعر وأساليب التخيّل والتفكير، إضافة إلى عمليات الإدراك الخاصة لموضوعات حسّاسة، كالشيخوخة التي رفض المدرّس الاعتراف بها قائلاً: “ليس هنالك شيخوخة، فوراء الإنسان عالم ضخم حيّ، هنالك موت”. وهنا  اعتبر أن افتقاد الإنسان لعنصر الدهشة قبل أن يموت، “يعني موته منذ زمن”.
ورأى أدونيس أن أهمّ ما في العمل الفني هو أن يكون له عمر مديد، وأن ترى بينك وبينه حواراً في أي وقت وأية لحظة، وأن يفتح لك أفقاً للحساسية أو للمعنى، وأن ترى في اللوحة عمقاً وليس سطحاً يُحيل اللوحة إلى جسد مي