ثقافة

في حوار حول تجربتها في المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني.. ديانا جبور لـ «البعث»: الفــن مهنـة ظـالمة والمؤسســة تدعــو الفنـانين المتظلمــين إلى ورشـــة عمل ترفـع هذه المظلــومية

عادت مؤخراً من مصر بعد تلبيتها دعوة مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي بدورته الحادية والثلاثين، والذي شغلت فيه رئيسة للجنة تحكيم الأفلام القصيرة، وهو أمر فيه ما فيه من الرسائل السياسية والثقافية من الأخت الكبيرة بدعوتها لشخصية اعتبارية حكومية سورية إلى مهرجان سينمائي دولي، بعد أن تعامل سابقاً مهرجان القاهرة السينمائي بسلبية شديدة تجاه مشاركة بعض الأنشطة الفنية السورية فيه.
“ديانا جبور”، المدير العام للمؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي في الحوار الأول معها بعد إنجاز الموسم الدرامي، تطلق من خلال “البعث” دعوة لجميع الفنانين السوريين خصوصاً الذين يشكون من عدم عدالة توزيع الأدوار والعمل عموماً، وذلك ليساهموا باقتراحاتهم لحل هذه القضية تحت عنوان: “العمل الفني بين الإنصاف والإبداع”.
هذه وغيرها من النقاط الحوارية التي استوقفتنا خلال هذا الموسم من أداء المؤسسة، وأيضاً عما في جعبة المؤسسة من أفكار وأعمال هي قيد الإنجاز، ومنها ما أنجز فعلاً، منها ما يضع الأزمة في خلفية أحداثه، ومنها ما يتقاطع بشكل حار ومؤلم معها، وأيضاً حديث عن عمل يجمع المؤسسة بأحد الفنانين السوريين الكبار.
البعث التقت” ديانا جبور”، المدير العام للمؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، وكان الحوار التالي:
منجزات هامة
< الحوار الأول كان قد جمعنا منذ عامين تقريباً، وحديثنا كان كما تعلمين عن واقع عمل المؤسسة الرسمية للإنتاج الدرامي خلال فترة الحرب التي مازالت مستمرة، أين هي المؤسسة العامة للإنتاج الدرامي اليوم، ماذا حققت؟ أين أخفقت؟ وكيف تقيّمين إجمالاً عملها؟.
<< أعتقد أننا نسير على السكة التي رسمناها لعمل المؤسسة، ولإسهام المؤسسة في الإبقاء على الدراما السورية دراما حية متألقة متجددة، ولها بصمتها الخاصة بها والمميزة لها، أنجزنا أعمالاً أعتقد أنها شكّلت إضافة على المستوى الفني، وعلى المستوى الحداثوي والتوعوي، وحتى في الجانب المتعلق بالكم، استطعنا أن نقدم كماً لائقاً يضمن استمرار دورات عملية الإنتاج الدرامي السوري، حالة الرضى هذه ليست مطلقة، بالتأكيد توجد لدينا بعض الثغرات التي علينا العمل لتجاوزها، لكن عموماً أعتقد أننا قدمنا مقترحاً درامياً لائقاً ورصيناً يليق بسمعة الدراما السورية العريقة.
< هذه الثغرات التي تحدثت عنها كيف توصفينها؟ ثغرات إدارية –فنية- ثغرات لها علاقة بالوضع الراهن، أم أنها خاصة بطبيعة العمل الدرامي نفسه؟.
<< هي متعلقة بعدة جوانب، منها أننا حالياً لا نستطيع استقدام أحدث التجهيزات التقنية التي صارت ضرورية ومطلوبة في سوق العمل، ولكن بإمكانات الفنانين السوريين المبدعين نقدر على ترميم هذه الثغرة، لدينا مشكلة تتعلق بمفهوم عدالة التوزيع عموماً، وهي قضية تحتاج لعصف فكري، للحفاظ على الخيارات الفنية والإبداعية للمخرجين مع قدر ما من عدالة التوزيع، وإنصاف الفنانين، نحن في المؤسسة نفكر في آلية تجعلنا نتجاوز هذه المشكلة، إذ لا يجوز ولا يمكن أن يعوّل الفنان على العلاقة مع هذا الشخص أو ذاك، أو أن يعتمد على الذاكرة الشخصية أو أن يبادر الفنان بنفسه بالتواصل معنا ليخبرنا أنه بلا عمل، لابد من آلية أو صيغة نصل من خلالها لإيجاد معيار يحقق نوعاً من عدالة توزيع الأدوار، وأؤكد أن يكون هذا الأمر ضمن خيارات المخرج الفنية باعتباره الصاحب الأساسي للعمل، حتى نضمن الحفاظ على السوية الفنية للعمل.
دعوة لورشة عمل
< في حوار مع الفنان “جمال نصار” على الفضائية السورية، في برنامج “حرب النجوم”، وصف “نصار” المؤسسة بأنها مزرعة شخصية، وأن الكثير من الفنانين السوريين الذين قرروا البقاء والعمل في سورية هم حتى لا يعرفون موقعها، وعلى اعتبارها مؤسسة إنتاج عامة، فعليها التعامل مع الفنانين السوريين الذين لم “يضبوا” حقائبهم ويهاجروا، بل هذه يجب أن تكون برأيه من أولويات المؤسسة، لماذا برأيك يصف عدة فنانين سوريين المؤسسة بهذا الوصف؟.
<< هذا الكلام ليس مقبولاً، أولاً نحن لا نستورد فنانين سوريين من الخارج ولا فنانين بجنسيات أخرى، الفنانون الذين يعملون معنا هم فنانون سوريون موجودون في سورية، بالتأكيد هناك فنانون لا يعملون، ولهذا أتمنى أن نجد هذه الآلية التي تحدثنا عنه سابقاً، والتي أعلن عنها من خلال منبركم، وهي دعوة الجميع لعقد ورشة عمل، تجمعنا وهؤلاء الفنانين ليساهموا معنا في طرح اقتراحاتهم، وكيف يمكن تحقيقها، هم عليهم جزء من هذا العبء أيضاً، وهنا أريد أن أوضح نقطة جوهرية، لنفترض وجود لائحة لدينا تضم أسماء الفنانين الذين بلا عمل، ثم قمنا بطرحها على هذا المخرج أو ذاك، لكنه لا يريدهم معه، ماذا أفعل؟ هل أقوم بفرضهم عليه فرضاً؟ هل تستطيع أية جهة إنتاجية رسمية أن تفرض على المخرج أنها تريد هذا الفنان أو غيره، في النهاية الفن مهنة ظالمة، ولهذا أتمنى من خلال ندوة العمل التي سوف نعقدها قريباً أن نجد آلية لرفع هذه المظلومية عن الفنانين المظلومين فعلاً.
أما الكلام عن كون المؤسسة مزرعة شخصية فهذا كلام غير مسؤول لأسباب عدة، منها أن الفنانين المتعاملين معنا  كثر، ولا يتكرر عملهم معنا إلا ما ندر، إلا إن كان المخرج يجد أنه لا بديل عن الممثل الذي يراه هو المناسب في هذا العمل بعد نقاش طويل مع المؤسسة، ثانياً نحن نقوم بإعطاء المخرجين قائمة الفنانين الذين عملوا معنا في الموسم الأخير مثلاً طالبين إليه أن يتعامل مع غيرهم خصوصاً من أولئك الفنانين الذين لا يعملون.
آلية جديدة
< بصراحة, هل تفضل المؤسسة العمل مع فنانين بعينهم على اعتبار أن وجودهم في العمل قادر على تسويقه بسبب جماهيرية هذا الفنان أو غيره حتى لو تكرر تعاملهم معهم؟.
<< بالتأكيد هناك نسبة من توزيع الأدوار تكون للفنانين الذين يشكّل حضورهم في العمل عامل جذب للموزع، ففي النهاية المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مؤسسة اقتصادية، وهي مطالبة بتحقيق دخل، فنحن لا ننتج العمل ليعرضه التلفزيون العربي السوري فقط، نحن نريد له أن يعرض على محطات متابعة جماهيرياً، ووجود هؤلاء النجوم من أهم ضمانات التوزيع، لذا طبعاًً نحن نعمل على استقطاب نجوم الدراما السورية ليكونوا في الأعمال التي تنتجها المؤسسة، وهذا ليس شأننا نحن فقط، كل شركات الإنتاج تسعى لأن تضم أهم النجوم الجماهيريين في عملها الدرامي، الفنان المحبوب من الجمهور هو من ضمانات توزيع العمل في زحمة سوق الدراما العربية والمحلية، وهنا أريد أن أنوه إلى إن الإشكالية التي طرحتها عن تذمر بعض الفنانين من عدم عملهم معنا كجهة إنتاج حكومية، ليست موجودة مع نجوم الصف الأول، فجميعهم اشتغل أو في طور تحضير شغل مع المؤسسة، ولم تصلنا أية شكوى منهم، المشكلة تأتي من ممثلي الأدوار الثانية أو الثالثة الذين هم بأمس الحاجة لفرصة عمل، هؤلاء يجب أن نبحث معهم كما قلت في آلية تحقق وتضمن تشغيلهم.
< إذاً المؤسسة في صدد البحث عن آلية تضمن تشغيل جميع الفنانين؟.
<< نعم ودعني أعلن من منبركم الكريم عن توجيه دعوة ستعقد قريباً لجميع هؤلاء الفنانين للبحث في آلية تشغيلهم بشكل يليق بهم وبتاريخهم بعيداً عما يطلبونه مني شخصياً، لأنني لا أستطيع ولا أقبل فرض فنان أو غيره على المخرج، علينا البحث عن آلية مختلفة بالتأكيد ليس الفرض جزءاً منها.
فهم خاطىء
< يتظلم بعض الكتاب من أن المؤسسة لا تنتج عملاً  إن لم يتبنه مخرج، وهذا يجعل المخرج الحكم النهائي في انتقاء النص، ما يسهل افتراضياً إنشاء لوبي من أربعة أو خمسة مخرجين يضبط نوعية المضامين، ألا يقصي هذا التوجه جهد الكُتاب ويضرب بعرض الحائط الاستراتيجية التي تتبعها المؤسسة في استقبال النصوص، ومن ثم إرسالها لقراء يقيّمونها، ووفق هذا التقييم يتم الإنتاج؟.
<< يبدو أن هناك فهماً خاطئاً لاستراتيجية المؤسسة الإنتاجية، نحن أولاً نمرر العمل الذي يصلنا من كاتب ما إلى قراء معتمدين لدى المؤسسة ومعروفين برجاحة الرأي، وهؤلاء القراء يقيّمون العمل فنياً، دعنا نصطلح على تسميته “بفلتر” القراء، يأتي دور إدارة المؤسسة لتقييمه فكرياً، وإن كان يتناسب مع سياسة المؤسسة وأفكارها ورسائلها، ومع ما سبق وأنجزناه بحيث لا نكرر أنفسنا، بعدها يتم البحث عن مخرج يتبنى العمل، ويحدث أن يتم عرضه على مخرج ما فيعتذر لأنه لا يجد نفسه فيه، نبحث للعمل أيضاً عن مخرج آخر يليق بالعمل ويضيف إليه إضافة فنية وإبداعية، لكن إذا حدث ولم نجد مخرجاً يتبنى العمل، هل يجب على المؤسسة كجهة إنتاج حكومية أن تشتري نصوصاً غير قابلة للإنتاج وتراكمها في أدراجها؟ أعتقد أن علينا التشدد في الاختيار حتى نضمن إنجازاً لائقاً وقادراً على المنافسة، لهذا لابد لشراء عمل ما من مخرج يقول: أنا أتبنى هذا النص، وهذا أمر حاسم لدينا، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كان المخرج في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة يعتذر عن عمل ما، فهل يمكن القول: إن المشكلة في المخرج، أم في النص المقدم؟ أما الحديث عن لوبي فيصح في الحالة المعاكسة، أي أن يكون النص رديئاً، لكن لوبي المصالح نقله إلى حيز التنفيذ لا العكس، نعم، نعوّل على المخرج المبدع الذي يرفض التصدي لعمل لا يضيف لرصيده السابق.
< الإضافة هذه لمن؟ له أم للعمل أم للجمهور؟.
<< لهم جميعاً، في الفن هذه قضايا مرتبطة ببعضها البعض.
< لكن هذا يعني أن تتحكم مزاجية المخرج في الموضوع، وحسبما يرى كيف يمكن أن يحقق هذه الإضافة التي تحدثت عنها؟.
<< هل تريد إذاً أن نشتري عملاً ما ثم نبقيه حبيس الأدراج حتى يأتي من يتبناه ونكون بذلك ضيعنا فرصة عمل آخر بالظهور.
< لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: بما أن العمل قد خرج على ما اصطلحنا تسميته فلتراً فنياً وفكرياً، فهذا يعني أنه حقق الشروط التي تطلبها المؤسسة بأقل تقدير؟.
<< أهم فلتر هنا هو المخرج، لا أشتري عملاً إذا لم يتبنه مخرج حتى لا نراكم نصوصاً، كما حدث مع غيرنا من جهات إنتاجية، ثم إننا في زمن متغير باستمرار، وما يجذب مشاهد اليوم قد لا يكون هو نفسه بعد عام أو عامين، أيضاً لا نريد أن ننتج أعمالاً لا يتفاعل معها المشاهد، نحن مؤسسة إنتاج معنية برفع الذائقة عند الجمهور وتقديم ما يعنيه ويهمه ويتفاعل معه، وهذا ما يجب أن تأخذه كل جهة إنتاجية في حسبانها، ليس نحن فقط، فنحن لا نريد لنص ما عبر كل مراحل قبوله، لكن مخرجاً ما لم يتبنه،لا نريد لهذا النص أو غيره أن يكون عبئاً علينا فوق الأعباء الإضافية التي نعاني منها جميعاً كسوريين كل في مكانه.
معايير النجاح
< متى تقول المؤسسة إن أعمالها نجحت، ما هي المعايير لهذا الحكم، أرباح- صدى الجمهور- شراء فضائيات؟.
<< كلها مجتمعة، عندما تعرض قنوات أكثر عدداً العمل، وعندما نقرأ صداه في المقالات النقدية وأيضاً عندما يكون المزاج العام متقبلاً للعمل، هذا من يحدد نجاح هذا العمل أم لا، دعنا لا ننسى أيضاً مشاركة العمل في مهرجان ما وحصوله على تنويه من المهرجان أو امتياز.
< بالحديث عن قنوات العرض الدرامية، برأيك هل لاحظت تغيراً في مزاج تلك القنوات التي قاطعت نتاج القطاع العام عموماً، بما فيها صناعته الدرامية، هل حدث وقررت أية قناة قاطعت أعمالكم سابقاً إلغاء هذه المقاطعة وتعاملت معكم؟.
<< حتى هذه اللحظة لا يوجد تواصل مباشر مع هذه القنوات، توجد إدارة ظهر كما يقال للتعامل المباشر، ولكن هذا العام استطعنا أن نوزع أعمالنا بشكل أفضل من العام السابق، وهذا عائد أيضاً لسياسة الإنتاج لدينا، فالمؤسسة في حالة إنتاج متواصل طيلة العام، ولا نضع أنفسنا في خانة الوقت الضيق الذي يسبق فترة العرض، وهذه السياسة سهلت علينا موضوع التوزيع.
ليس سراً
< من المعروف أن المؤسسة تزود الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة بتقارير وأخبار عن تفاصيل أعمالها من مواقع تصوير ومواعيد بداية ونهاية عمل ما، ما الذي يمنعها إذاً أن تزودهم أيضاً بمعلومات مالية عن الميزانية وفق معادلة تكاليف وأرباح، كنوع من زيادة شفافيتها، وبالتالي تساهم في تحسين صورتها الذهنية عند الجمهور؟.
<<  للمؤسسة موازنتها الشفافة التي تقدمها للجهات الوصائية والرقابية، أما تقديمها  للإعلام فسيعقّد عمل المؤسسة، لأن العديد من الفنانين يقبلون العمل معنا بأجر أقل مما يحصلون عليه عند عملهم مع شركات خاصة محلياً وعربياً، فبهذه الطريقة يقدمون دعمهم  للمؤسسة وللقطاع العام في هذه الظروف الصعبة، لذا فإن الخوض في تفاصيل أجورهم سينعكس سلباً عليهم، وبالتالي علينا، وأكون قد أسأت للفنان الذي كما أخبرتك يتنازل عن قسم من أجره كدعم للمؤسسة.
< دعينا لا نخض في الأسماء بل معادلة ربح – خسارة؟.
<< الأرقام موجودة إذا رغبت في الإطلاع عليها وهذا الموضوع ليس سرياً.
أعمال جوهرية
< كنت قلت في غير حوار إن دور المؤسسة هو أن تضخ فناً تنويرياً محترماً وراقياً، يعيد الصلة ما بين السوريين ووطنهم؟ ما تعريفك للعمل التوعوي أو التنويوي، وبرأيك هل انقطعت هذه الصلة تماماً؟.
<< الصلة بين السوريين بالتأكيد لم تقطع تماماً، لكن دورنا كمؤسسة عامة للإنتاج الدرامي الانحياز لضفة العمل التوعوي والتنويري، لا أقول إننا ننشئ ونؤسس ولكن نحن جدول من الجداول التي تضخ في هذا التيار، أتضافر لتحقيق هذه الغاية مع بقية النوايا والجهود لمنتجين سوريين آخرين، برأيي العمل السوري التنويري في هذه المرحلة هو العمل الذي ينحاز للتنوع السوري، للحضارة السورية، للانفتاح السوري، للإنسانية السورية، العمل الذي يقدم ويشرح للعالم كيف مازلنا قادرين على الاستمرار رغم كل الظروف، في الخارج يتعاملون مع ما نصنعه ويصنعه السوريون كمعجزة، هذه المعجزة التي يجترحها السوريون كل يوم في عملهم وحيواتهم بإصرارهم على الحياة، ورغبتهم بصناعتها، حتى وإن لم توجد كل عواملها، تستحق أن نسلط الضوء عليها بمعنى إعجاز الحياة اليومية، هذا ما علينا تقديمه والانحياز إليه، طبعاً هذا لا يعني أن نصنع أعمالاً تزوّر الواقع أو تجمّله، بل صناعة أعمال تنحاز لما هو جوهري وأصيل في الواقع دون أن تستغرقنا الاشنيات التي طفت على السطح.
< لكن كما تعرفين أيضاً الواقع انعكس على الدراما وصرنا نشاهد دراما سورية متعددة المواقف ووجهات النظر، ومختلفة الهوية ولا قاسم مشتركاً يجمع بينها، حتى إن هناك حرباً حامية الوطيس بين هذه الدراما، كلاً حسب وجهة نظرها؟هل تؤمنين بأن الدراما قادرة على صناعة الفرق بتقريب وجهات النظر من خلال إعادتها التأكيد على الخصوصية السورية، وجمع السوريين مرة أخرى خصوصاً بوجود أكثر من دراما سورية واحدة، وأية هوية تؤكد عليها المؤسسة العامة؟.
<<  طبعاً  الدراما قادرة، لأن الدراما بالمناسبة ليست فقط انعكاساً للواقع، هي في بعض مناحيها المهمة تأثير في الواقع، مثلاً يحكى كثيراً عن فهم متطرف للدين، أحد أسباب الواقع المأزوم الذي نحيا به الآن، أنا أعتقد أن مهمة الدراما السورية وأكرر القول، إن أتيح لها المجال في التطرق لهذا الجانب أن تقول إن الفهم “الشامي” للدين هو فهم وسطي وليس فهماً متطرفاً، لأنه في بلاد الشام عموماً كانت تدور الزوايا الحادة، فهذا الفهم المتطرف للدين وإن تغلغل لبعض القطاعات والشرائح، لكنه وافد وليس أصيلاً على مجتمعاتنا، هذه الوسطية الشامية بما تعنيه من تقريب البعيد وتدوير الزوايا علينا أن نكرسها في درامانا، ولنتذكر أن “شعرة معاوية”كاختراع دبلوماسي عبقري لم يتعلمه معاوية في مكة بل في بلاد الشام، نحن ننحاز لسوريتنا ولهويتها المعتدلة، هذه هي سمات هويتنا وآفاق توجهنا.
ندوة حول العمل الفني
< القرارات التي خرجت بها ورشة إنقاذ الدراما التي جرت العام الماضي معتبرة أنها خطوات أولى على طريق إنقاذ الدراما السورية، أين هي اليوم؟ وهناك من وصف عمل الورشة بأنه مجتزأ ومنقوص ومتناقض منذ البداية، فكيف تكون ورشة لإنقاذ الدراما بغياب كل من المسرح والسينما، وأين أصبحت التوصيات التي خرجت بها تلك الورشة؟.
<<  فقط وتعقيباً على موضوع عدالة توزيع الدراما فإن الندوة التي نزمع عقدها قبل نهاية العام ستكون تحت عنوان: “العمل الفني بين الإنصاف والإبداع”، وبالعودة للسؤال نظرياً نعم أنت محق في كون الدراما تنسحب على السينما والمسرح، بالتأكيد هناك امتدادات وتشابكات مع أوساط وبيئات فنية أخرى، لكن تلك الورشة كانت خاصة في الدراما التلفزيونية، والبحث عن سبل لإنقاذ الوسط التلفزيوني، عموماً تلك الورشة قدمت مجموعة من المقترحات التي بدأنا نخوض فيها فعلياً في واقع العمل الفني، الورشة أقيمت في السنة الماضية، والمقترحات التي خرجت بها تحتاج وقتها لتصبح فعالة على الأرض.
<  بالعودة إلى قضية النص والمخرج، حدثت مشادة إعلامية حول أحد أعمال المؤسسة هذا الموسم بين كاتب العمل ومخرجه، ما هو الدور الذي تقوم به المؤسسة أو من المهم أن تقوم به تفادياً لمشاكل شبيهة مستقبلاً؟.
<< أولاً هذا الخلاف في وجهات النظر بين الكاتب والمخرج هو من طبيعة العمل الفني، المهم ألا تتم خيانة جوهر العمل وفكرته ورسالته، وما جرى بالنسبة للعمل المذكور وهو “حرائر” من تأليف الكاتبة “عنود الخالد”، وإخراج “باسل الخطيب” هو أننا اكتشفنا أثناء التصوير أن السيناريو بزمنه كما قدم إلينا، لن يكفي ليمتد العمل على ثلاثين حلقة، فتمت إضافة خط درامي يتناسب مع فكرة العمل ورسالته وهدفه العام، كجهة منتجة، لم نجد مشكلة في هذه الإضافة باعتبارها أفادت للعمل.
< لكن ألا يفقد تصرف مماثل ثقة الكتاب في التعامل معكم؟.
<< نحن ملتزمون بعقد يوافق عليه الطرفان وفق بنود واضحة ومحددة والمؤسسة تفي بكل التزاماتها في العمل، لذا فإننا كجهة إنتاجية حكومية لها مصداقيتها عند المشتغلين في الحقل الفني، نتصرف بحرفية حيال ما نتبناه من سياقات لعملنا وكل من تعامل معنا يعرف هذه الحقيقة.
أعمال جديدة
< هذا العام ماذا في جعبة المؤسسة من أعمال؟ وما هي الرسائل التي يراد إيصالها عبرها؟.
<< حالياً بدأنا بتصوير” نبتدي منين الحكاية” تأليف “فادي قوشقجي” وإخراج “سيف الدين سبيعي” بحضور الفنان”غسان مسعود” والفنانة”سلافة معمار” وعدد كبير من الممثلين السوريين، هذا العمل يريد أن يقول إن قدرتنا على الحب والحفاظ عليه هو واحد من أهم أسباب هذا المناخ السوري الغريب والسحري في آن، والذي استطاع أن يجمع السوريين رغم كل العواصف التي هبت عليهم، الأزمة السورية حاضرة هنا، لكنها في خلفية العمل وليست في واجهته، لأن الناس وضعت الحرب وراء ظهرها، وهي تعيش اليوم حياتها، دون شعارات ولا خطب عالية النبرة، وما إلى ذلك، الناس يريدون أن يعيشوا.
أيضاً لدينا عمل يحكي عن الأزمة السورية بشكل مباشر، عن قصة لـ بشار أبو قورة، وسيناريو وحوار”عثمان حجا “، وإخراج “فهد ميري”، وهذا العمل يذهب إلى جمرة الأحداث، ويقبض عليها كما يقال، العمل سيكون ربما حاراً، لكنه موجع قليلاً، هناك أيضاً مشروع نعتقد أنه سيرى النور قريباً مع الفنان الكبير “دريد لحام”، هذه هي المشاريع الموجودة في المدى المنظور.
< هناك سؤال لطالما رغبت أن أسألك إياه، لماذا تتبع المؤسسة لوزارة الإعلام؟ هل تعتقدين أن الدراما شكل إعلامي، صحيح أن كل عمل فني فيه جانب إعلامي، لكنه أولاً وأخيراً ثقافة وفن؟.
<< لأن قناة العرض تلفزيونية، والتلفزيون جزء من الإعلام، هذا رأيي ببساطة.

حوار: تمام علي بركات