رخـامــيــات الأحــبــة
هو الرخام أصبح كلمة مرادفة لثقافة الفراق والافتراق، لثقافة الرحيل، وبناء قصورٍ مشيدة من أحزان الذكرى. هو الرخام لماذا تجلل فيه قبور الأحبة، قبور من هم قرة العين ودمعها إذ بكت دماً من وجد الفراق،من لفظ الاستغراب الوقتي. هناك ما زلنا نسمع إزميل الوقت يطرق باحثاً بين تلول اللغة وشاهقات علومها عن مصطلح يجدد البُشرى في كل نفس،و يجعلها أكثر تفاؤلية حتى ولو كثرت رخاميات القبور من حولنا.
رخاميات الثقافة التي لا نريدها متشحة بالسواد كما هذا الزمن،كما معلقات تتجرأ على حرمة كل حجرٍ رخامي يستنطق وجعاً، ما زلنا نخشى أن ننحت ضمن صخور الزمن الأسود،نبحث عن مصطلحات جديدة لا تذكرنا بملمات الأزمة، ملمات الاستغراق الأدبي والموت المشحون بزخم الفجيعة.
كم تزدهي صناعة الرخاميات، ويزدهي معها ذاك الوجع القائم على حدود أفعالنا،تلك الرخاميات التي صنعت لزينة الحياة الدنيا،لزينة ما تشتهيه الأعين، أما الآن فإنها تنتشر تحت مسميات رخاميات الأحبة في سفرهم الأبدي،لا ندري أي لغة هي الأصوب لكي نكتب بها عن القبور الرخامية،عن تودد لغات الموت إلى كل قواميس الحياة اليومية لدينا.
إنها الرخاميات تقول لنا: اسألوا حاجيات صخري عن حكايات القداسة التي باتت مزروعة هنا،اسألوا أكاليل الورد لِم أضحت أكثر تواجداً بين جدراني،أو بين من يمنحون المعنى السامي والمعنى الرخامي لكل مقتبس، إنها الرخاميات تبدو وكأنها عاشقة لأسئلة الحياة مثلنا،عاشقة لفلسفة التعايش مع معطيات جوهرية ومصطلحات
وثقافات خاصة بأزمنة الحرب، أزمنة الحيرة الصرفية بين ملمات الدهر وصنوفها المانعة من الصرف، هو الرخام حجر ربما تحجرّ من كثرة النوائب،وربما هو صخر تفجرت ينابيع أدبه من كثرة النبل المحاط به،ومن كثرة القدسية العظيمة الوافدة عليه.
أهي الجمل الفعلية والإنشائية على حدٍ سواء تتعب من رخامية الأحزان؟! تتعب من حالات التحجر الوجودي لحتمية الأوزان،رخاميات أزمنة البقاء الأبدي والذكرى التراجيدية،ذكرى الاستعارة من الأحجار صلابتها ومن كل شيء أجمله لكي نغني أدبيات حالنا المستعر وجعاً، و حتى لو انتهى زمن الأزمة ستبقى تلك الرخاميات الصامتة والناطقة في آنٍ معاً خيرُ شاهد لزمن الحدث البكائي بامتياز، تراجيدي الأنات على شيء مضى، وبقيت تلك الرخاميات تتحدث عنه وكأنها الوعاء الذي يفيض بقداسة ما،تلك الرخاميات الشاهدة المستشهدة بجل ما نتحدث عنه،جل البقاء القدسي الباقي لنا رغم ألم الغياب.
في حضرة الزمن ورخاميات الموت المقدس تحتار الأقلام الناطقة ألماً ماذا تكتب؟! كيف تصف حال الملمات إذا جاءت على غفلةٍ لتستطلع حال الرخاميات وقد أضحت مسكناً أبدياً لأقدس بني البشر، أقدس الأحبة،كم من الرخاميات نقف أمامها اليوم،نستودعها قصائد من حنين شاهق الذكرى؟! كم من الرخاميات يتفجر منها قهر الأيام، تتفجر منها عيون باكيات الدمع شاهقات الوجعِ، عيون تبكي سفر الأحبة،تبكي مواويل أصبح صوتها رخيماً من كثرة الأحزان،وربما من كثرة تزاحم الأضداد،تزاحم النداءات على من يسكنون هذه الرخاميات، لأنها رخاميات القداسة والعظمة المضاءة بهم والمستحقة لهم.
منال محمد يوسف