ثقافة

مجموعة قصصية تقدم رؤية تنبئية وإسقاطات وطنية تدعو إلى المصالحة

“ليسّوا أصدقائي،بل هم أعدائي أبعد الله شرّهم وغدرهم ودهاءَهم عنّا”. “صراع الثيران” مجموعة قصصية للكاتب صبحي سعيد قضيماتي صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وهي أقرب إلى رواية متصلة عبْر فصول متتابعة قائمة على حكاية قصة طويلة داخل قصة قصيرة تعّد البناء الأساسي للحكاية.
وقد كانت محور ندوة نقدية في اتحاد الكتّاب الفلسطينيين حيث قدمت ثلاث قراءات نقدية قدمها: القاصة هدى جلاب والصحفية فاتن دعبول والكاتب والروائي عدنان كنفاني، اتسمت كما وصفها د.عبد الفتاح إدريس”بالعميقة”،وانطلقت من الرؤية الشمولية لأدب الأطفال الذي يتطلب عناصر خاصة قائمة على المخيّلة الأدبية والإدهاش.وكان القاسم المشترك بين القراءات والمداخلات إشراك الطفل في صياغة القصة ليكون شاهداً على الواقع،وتحرير النصّ من التلقين المباشر وأسلوب الوعظ والإرشاد.الأمر اللافت في المجموعة الإسقاطات الوطنية الواضحة بدخول الغريب وإثارة الفتنة والتفرقة،والدعوة إلى المصالحة ونبذ الخلافات.كما استهل الكاتب قضيماتي الندوة بتوطئة عن المجموعة ككل،وأوضح أنه يدعو بلسان مجازي إلى التمسك بالوحدة الوطنية.

اللون يعكس الصراع
تميّزت قراءة القاصة هدى جلاب بالتركيز على التفاصيل الصغيرة لحكاية صراع الثيران المصاغة على لسان الحيوانات أسوة بكتاب كليلة ودمنة،وقد صاغها الأديب حكاية في قلب حكاية وإن كانت احتلت حكاية الذئب الرمادي المساحة الأكبر،ورغم ذلك أطلق على المجموعة العنوان الأول صراع الثيران،وعلقت على مفردة الثيران فلو عنوّن الكاتب المجموعة بصراع فقط كان منح الطفل مساحة أكبر من التأمل،ومضى السرد الحكائي وفق الدعوة الصريحة للمصالحة وتجاوز الخلافات من خلال شخصيات أساسية مختلفة اللون والنوع والطباع (ثلاثة ثيران وقردة عجوز وذئب رمادي)وتابعت قراءتها التي توجهت نحو جذور الحكاية القائمة على حميمية حكايات الجدات،وعلى عوالم الروح المكثفة وسط الحكاية ومعتقداتها،وتوسعت بدلالات الصوت،ورأت أن الكاتب استخدم صوت البشر وأغفل أصوات الشخوص الحقيقية فلم يذكر أصوات الثور الحقيقية مثل نئيج وصقيع وحوحة وغمغمة،ولا زفاح القرود ولا هزيز الريح وبقي فضاء الغابة فارغاً من نقيع الضفادع وفحيح الأفاعي. وتوقفت عند دلالة اللون وارتباطه بالواقع الأبيض الذي يدل على النقاء، والأحمر لون الدم والعنف والأسود الذي يعكس العتمة والتشاؤم والرمادي الذي يدل على التحايل والتلاعب والخبث.

تنازع قوى الشر والخير
الصحفية فاتن دعبول دخلت في تفاصيل الكتابة لأدب الأطفال والتي تعتمد بالدرجة الأولى على الوصف باستخدام جميع الحواس وعلى تركيز الأفكار بمقاطع قصيرة،لتأتي الأحداث متتابعة بجمل متناسقة ذات إيقاعات وجرس موسيقي مع اختيار العناوين اللافتة والمبتكرة والمثيرة،إضافة إلى استخدام الأفعال المضارعة كونها تدل على اللحظة الراهنة وعلى آنية الأحداث،وفيما يتعلق بالسرد الحكائي بيّنت ضرورة الدخول مباشرة بالموضوع دون تمهيد وتوضيح المكان والزمان والألقاب،لاسيما أن عالم الطفل بات مملوءاً بالألوان والأصوات والصور التي اكتسبها من التكنولوجيا المحيطة به.
ووجدت دعبول أن الكاتب توجه للطفل من خلال الرموز والدلالات بدءاً من العنوان “صراع الثيران” لتهيئته لدخوله عوالم تتنازع فيها قوى الخير والشر،ليشدّ انتباه الطفل ويفتح أمامه أبواب التشويق والإثارة في متابعة الأحداث،بإعادة صياغة الحكاية العربية المعروفة “أُكلت يوم أكل الثور الأبيض” وهي حكاية في حكاية تدور حول ثلاثة ثيران يخرج واحد منهم عن أخويه مما يشكّل كارثة أو مشكلة تحتاج إلى حلّ،وهنا ينقسم الثوران الشقيقان لإيجاد الحل المناسب والصحيح لهذه المشكلة،فالأول يصر على العداء الكامل لمن ابتعد وهجر،والثاني يدعو إلى العمل من أجل إيجاد الأخ الذي ابتعد لأن ابتعاده خسارة للجميع،وأخيراً ينجحان في إنقاذ أخيهم من مؤامرة حاكها الثعلب الماكر،ويستشهد الثور المؤمن بوحدة وضرورة المحافظة على الجماعة بحكاية الذئب الرمادي الذي أعاد توحيد قطيع الذئاب بعد أن فتتته القرود الماكرة،وركزت دعبول في نهاية حديثها على الإسقاطات الوطنية الواضحة،وأشادت بتشكيل كامل المفردات لإثراء لغة الطفل وتقوية اللغة العربية الفصيحة.

خيط غير مرئي للربط
وبدأ الكاتب عدنان كنفاني مداخلته بالحديث عن صعوبة الكتابة للأطفال والفتيان في هذه الحقبة الدقيقة من الزمن وسط فورة الإعلام وتعدد الوسائل المرئية المبهرجة والتماس صنوف الإغراء التي تشد انتباه اليافعين بالصوت والصورة والحركة والألوان،التي أبعدتهم عن الكتاب،ثم أثنى على الدور الذي قام به الأديب صبحي سعيد قضيماتي من خلال عمله الصحفي في جريدة تشرين والقصص الملتزمة التي كتبها. ويرى كنفاني من خلال قراءته نتاجه الأدبي أنه لامس بعض المشاكل التي تعترض فهم الطفل من خلال لغة واعية وحصيفة ومن خلال صور جميلة تستهوي فكر الأطفال،واستطاع أن يوصل المعلومة التثقيفية بشكل انسيابي،وأن يكرّس القيم الأخلاقية والتراثية والتاريخية والوطنية والقومية والدينية،وأوضح بأن الكاتب عمل على إيجاد سلوك معقول من التحديث في كتابات الأطفال،فلا يجوز أن نكتب للأطفال رموزاً مغرقة بالرمزية،ولا يجوز تجاوز النمطية في الكتابة بالمطلق،كأن نخلط بتسلسل الأحداث سواء عبْر الارتدادات الزمنية أو بالصور البعيدة عن قدرة الطفل على الربط بينها في مجرى السرد الرئيس.
ومن الإطار العام إلى الخاص اقترب كنفاني من عوالم صراع الثيران ليتحدث عن القصة المتضمنة داخل القصة الأولى ووصفها”بالقصة المسلسلة” وأشاد بتبسيطه الكثير من المسائل ووضعها على لسان حيوانات في غابة (ثيران –ثعالب- قرود-ذئاب)وتابع بأن الأديب استطاع تطويع أسطورة “أُكلْتُ يوم أُكل الثور الأبيض”واتكأ على مداها ليخلق تداعيات تقترب من فهم الطفل وتكون موجهة وهادفة في آن واحد،وهي محاكاة لكثير مما يجري في واقع الحياة بين البشر عندما يأكل القوي الضعيف ويصبح الظلم والمكر والخداع مشروعاً لتحقيق مكاسب للأقوياء على حساب ألم وقهر وجوع والضعفاء،وهي دعوة مبطنة لرفض هذا السلوك والانتصار للحق والبحث عن الحرية وبيان أهمية وجدوى قوة الروابط الأسرية وما يحققه التعاون من نتائج إيجابية في مسيرة الحياة،وخلص إلى أن هناك خيطاً غير مرئي يربط بين القصص ولا يخرج عن موضوعة التزام الوطني والأخلاقي والاجتماعي والتربوي.
ملده شويكاني