ثقافة

خير فينا.. والمثال

بفارغ صبرهم انتظر السوريون الغيورون على الوطن سماع خبر مفرح يتعلق بمطار كويرس، فأتى مدعاة للفرح، ولرفعة الرأس، كيف لا وهو تتويج لوقفة من أجمل وقفات العز، “وأطولها” لأبناء وإخوة لنا دامت طويلاً تحت حصار من قبل وحوش العصر الحديث، وما إن انتشر الخبر حتى سارعوا جميعهم للتعبير عن هذا الفرح، كلاً بطريقته، “رقصاً في الشوارع، مسيرات ليلية بالسيارات، بالصورة، أو بالكلمة شعراً ونثراً”، الكلمة التي ما إن يستخدمها أحدهم لمرة حتى تنتشر بسرعة البرق متجاوزة قائلها أحياناً، ومتناسية إياه غالباً، لذا فلم ندر من الأساس بإطلاق تسمية المطار ومحيطه بـ “ليننغراد السورية”، تشبهاً وتمثّلاً بالمدينة التي عانت حصاراً مشابهاً خلال الحرب العالمية الثانية.
حصار المدينة الذي دام ما يقارب 1000 يوم في عملية وصفت على مر السنين بالفاشلة عسكرياً بالرغم من استمرارها لهذه الفترة الطويلة، والذي كسره الجيش الروسي حين تمكّن من فتح معبر بري إلى المدينة، رفع بعدها الحصار بشكل كامل.
في كويرس “المعجزة السورية” التي بقيت تقاوم الحصار لمدة أكثر من 1000 يوم، ونحن نعلم بالتأكيد أنه لا عدد الأيام، ولا التسمية التي ستطلق على المدينة، هو ما كان يشغل بال الأبطال المحاصرين، بل الإيمان بأن النصر آت آت لا محالة، على أيدي إخوة لهم في السلاح والعقيدة المؤمنة بقدراتنا، وأن فينا قوة إن فعلت نغير بها وجه التاريخ “وقد فعلت”.
لا ننفي أن ليننغراد قد استحقت بجدارة لقب المدينة البطلة، وهي التي احتملت حصاراً كبدها خسائر كبيرة في صفوف أبنائها، لا ننسى هذا، ولا ننسى في المقابل أن “كويرس هي كويرس السورية” التي وقفت في وجه الجراد الزاحف بالآلاف نحوها، بفضل أبنائها السوريين أيضاً حتى لو أن هناك من دعم وساند ووقف إلى جانبها، ولكن إلى متى نبقى نشعر بالحاجة إلى التمثّل بالغرب، وننحو إلى ذلك، ونحن في أجمل حالات الفخار والعزّة؟! إلى متى نبقى نتبيّن فيه كل الخير والحق والجمال قبل أن نراه فينا وهو حقيقتنا؟!.
هل نذهب بعيداً؟ أبداً، أوليس لنا في القنيطرة المنتزعة من يد الغزاة مثالاً؟ ألم يرسم جنوب لبنان صورة لنصر يُقتدى؟ ألا تشكل غزة الصامدة بوجه العدوان قدوة مشرّفة؟ أليس لنا في خمس سنوات صمدت فيها بلادنا ومازالت مثالاً مشرقاً منبعه مواهبنا، منبعه ثقافتنا وتاريخنا؟ ومتى نتنزه عن العوامل والتأثيرات الخارجية، فلا نغدو فاقدي المثل العليا لحياتنا، فاقدي العناصر الأساسية لما نعتبره استقلالاً فكرياً حقيقياً يليق بتاريخنا وتطلعاتنا؟!.
هي ليست دعوة للتقوقع والانعزال، ولكن دعوة للتفكير، أتراها تستقيم حياتنا، مطامحنا ونهضتنا إن لم تستمد روحها من مواهبنا وثقافتنا؟ ترانا نخرج مما نحن فيه إن لم نتكئ على تاريخ لنا عريق استفاد منه الغرب قبلنا، ونرى بيقين وإيمان أن في نفوسنا كل علم وفلسفة وفن في العالم، قبل أن نراه في نفوس الآخرين؟!.
بشرى الحكيم