“فيروز تغني للشام”.. وطنيات فيروز عكست ثقافة المقاومة والحبّ

فيروز التي تنثر شذى عطر صوتها حولنا،فتمضي بنا إلى الأفق البعيد إلى فضاءات سماوية تبعدنا عن عتمة الواقع،فيروز الأثر الباقي من الزمن الجميل،والتي وصف صوتها أنسي الحاج بقوله “بعض الأصوات سفينة وبعضها شاطئ وبعضها منارة،وصوت فيروز هو السفينة والشاطئ والمنارة” احتفلت بعيد ميلادها الثمانين،الذي تزامن مع احتفالات شعبنا باليوم السوري لثقافة المقاومة،كانت محور محاضرة الباحث وضاح رجب باشا في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)التي كانت أقرب إلى ندوة سمعية بصرية تحليلية لفيروز التي غنت لسورية الأم -كما ذكر الباحث-لسورية ولبنان والأردن والعراق وفلسطين،والتي عبّرت عن ثقافة المقاومة والانتماء والحبّ.
تمحورت الندوة حول الارتباط بين خشبة مسرح معرض دمشق الدولي وفيروز،ووطنيات فيروز وارتباطها الفني مع الشاعر سعيد عقل،فأعاد الباحث إلى الحاضرين صوراً حفظتها الذاكرة أثارت شجونهم بين سحر الماضي وألم الحاضر.
تخللت الندوة عرض فيديو لشاعر دمشق نزار قباني وهو يلقي القصيدة الدمشقية،تبعها صوت فيروز الشجي مرّ بي –أحبّ دمشق-شآم-سائليني.
تظاهرة حضارية
بدأ الباحث وضاح رجب باشا بداية بعيدة عن التقليدية بعرض مقطع فيديو قصير يستعرض صوراً من آثار دمشق وعراقتها وفنونها ومنحوتاتها وشرقياتها وأسواقها تزامن مع صدى صوت فيروز كتوطئة تدخل الحاضرين إلى سحر صوتها،ثم تحدث عن معرض دمشق الدولي كونه تظاهرة راقية اقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية،افتُتح عام 1954بمشاركة ستين دولة،وفي بعض السنوات كان بمشاركة أكثر من مئة دولة،المعرض الذي ارتبط بالسيف الدمشقي كان له دور كبير في تقديم المطربين العرب ونشر أغنياتهم،وفيروز ارتبطت بخشبة مسرح دمشق الدولي مثل غيرها من عمالقة الغناء في الزمن الجميل،شاركت بأول دورة وهي في الحادية والعشرين من عمرها بعد أن اكتشفها الملحن السوري محمد فليفل قبل أن يكتشفها اللبنانيون فشدت:
قرأتُ مجدك في قلبي وفي الكتب/ شآم ما المجد أنت المجد لم يغب
وتابع الباحث حديثه عن سورية التي رحبت بكل العرب الأشقاء وبالدول الصديقة للمشاركة،وعن القيم الأصيلة التي تتصف بها سورية من خلال هذه التظاهرة،وعن دور المعرض  الريادي في نشر الفرح والتقارب وتعزيز أواصر المحبة،فارتأى عرض فيديو عن شاعر دمشق نزار قباني وهو يلقي القصيدة الدمشقية تأكيداً على الحبّ الكبير الذي يسكن دمشق:
هذي دمشق وهذي الكأس والراح/إني أحبُ وبعض الحبّ ذباح
أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي/لسال منه عناقيد وتفاح
صوت ملائكي
توقف الباحث في القسم الثاني من الندوة عند المحور الأساسي وطنيات فيروز التي عكست صورة المقاومة ومجدت بدمشق،وحملت كلمات أغنياتها كل معاني الانتماء والتجذر والارتباط بسورية:
شآم أرض الشهامات التي اصطبغت/بعندمي نمته الشمس منسكب
وهنا اعتمد الباحث على الأسلوب التحليلي لوصف تركيبة صوت فيروز الفريد والذي وصفه بالملائكي،وبأنه من الصعب إيضاح سحره فهو سرّ إلهي يتسرب مباشرة إلى ثنايا الروح ويمكث في خلجات القلب ونبض الشرايين،لاسيما أن فيروز حافظت على نقاء صوتها طيلة تسعة وستين عاماً ولم تتوقف إلا في العام الماضي عن الغناء،ولم تستطع ولا واحدة من مطربات الجيل الجديد أن ترتقي إلى مصاف صوتها،وقد تمكنت مثلها مثل عباقرة الزمن الجميل وديع الصافي –أم كلثوم – عبد الوهاب – من تطويع حنجرتها،ورغم أن صوتها لم يكن حاداً كان بين الحاد والمنخفض إلا أنه اتسم بمساحة كبيرة،واستطاعت أن تؤدي في بعض المواضع الجمل اللحنية الحادة،وتميزت بتعدد الأنماط الغنائية بألوان مختلفة فبرعت بالغناء الديني وبالأندلسيات والطربيات والأغنيات العاطفية،فعرض الباحث مقطعاً من الأغنية الشهيرة “نحنا والقمر جيران” لبيان قدرتها على التلوين:
“نحنا والقمر جيران/بيته خلف تلالنا/بيطلع من قبالنا/بيسمع الألحان”
السلاسة الطربية
عاد الباحث إلى وطنيات فيروز التي بعضها اتخذ الطابع الحماسي مثل أغنية:
“بيي راح مع العسكر/حمل سلاح راح وبدر” ذات الإيقاع السريع والجمل القصيرة والكلمات المؤثرة التي لها وقع بالنفس،وبعضها الآخر كان أقرب إلى اللحن الرقيق الممتزج بالعشق الوطني،فجاءت الأغنيات بجمل لحنية طويلة وممتدة مثل أغنية مرّ بي:
مرّ بيّ يا واعداً وعدا/مثلما النسمة من بردى
والأغنية الأجمل للأخوين رحباني “بحبك يالبنان/ ياوطني بحبك/بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك”
وتوجد أغنيات اتخذت سمة السلاسة الطربية مثل:
بالغار كُللت أم بالنار يا شام/أنت الأميرة تعلو باسمك الهام
إلى الأغنية التي اشتُهرت على مدى الساحة العربية
إسوارة العروس مشغولة بالذهب/وإنت مشغول بقلوب يا تراب الجنوب
إلى الأغنية الرقيقة التي غنتها لفلسطين:
سنرجع يوماً إلى حينا/ونغرق في دافئات المنى
عشق الوطن
وفي القسم الأخير من المحاضرة تحدث الباحث عن الشاعر سعيد عقل الذي تميّز بصدق الكلمة وشفافيتها فعشق لبنان بكل جغرافيته ومجّد ذكريات طفولته، وأكد في كل مفرداته على الحبّ والرقة:
سائليني حين عطرت السلام/كيف غار الورد واعتل الخزام
وبيّن الباحث أن صوت فيروز وإحساسها بالكلمة كان السبب المباشر بنشر قصائد سعيد عقل فلو مطربة أخرى غنت كلماته ما حقق هذه الشهرة.
على هامش المحاضرة (تفعيل نادي الاستماع الموسيقي )
ندوة فيروز تغني للشام أوصلتنا إلى قرار مديرية ثقافة دمشق بنشر الثقافة الموسيقية،والتأكيد على إعادة تفعيل نادي الاستماع الموسيقي بتوزيع عدد من السيديات الهامة على المراكز الثقافية،وأكد الباحث باشا في نهاية المحاضرة على دور الأغنية الوطنية وفرض وجودها ضمن طقوسنا اليومية من خلال بثّها بالإذاعات والفضائيات،لأن حبّ الوطن فعل وعمل،وهي جزء من هذا العمل.
مفهوم المقاومة
وعلى هامش المحاضرة أيضاً تشاركت المداخلات بقوة تأثير الأغنيات الوطنية التي قدمتها فيروز،وأثنى الأستاذ بسام عاقلة مدير مديرية ثقافة دمشق على أهمية الأغنية الوطنية،وعلى الصدى الذي تركه الثلاثي فيروز وسعيد عقل والرحابنة،وأكد على تعزيز مفهوم ثقافة المقاومة التي ارتبطت بثقافة الحبّ والانتماء.
ملده شويكاني