ثقافة

مداد الياسمين وبياض لغته

نكتب بمداد الياسمين..نكتبُ علّه يُضيء الامتداد المتسع على كل دروبنا.. نكتبُ بغية إيجاد مداد لغوي يروي ظمأ أوراقنا.
من قال أن الياسمين فقط شجيرات وردية وزيوت عطرية.. من قال ليس للياسمين  ماضٍ نشتاقُ إليه؟! أليس كالشمس الذي نشتاق إلى ضوئها.. إلى دفء أيامها ولُجين أحلامها.
نكتبُ بمداد الياسمين.. علّها الأيام ترجع بيضاء كما لونه, كما مجلدات الحكايات  التي كُتبت من أجله, كتبت في ليالٍ تبحث عن بياض ياسمينها بين أوراق الزمن.       آهٍ من زمن تناثرت أوراقه وبقي الاصفرار يملأ سحنة الأحبة, بقي كخريفٍ لا يملُّ القدوم إلى بيارات وقتنا.. آهٍ من زمنٍ رحل عنا الآن بحجج واهية الأسباب كمن يسألُ عن فتون الأيام, عن سِفر الأحزان، لِمَ اختار المجيء إلى وطن الياسمين، إلى صفحاتنا وأدبيات التي كانت تُكتب بروح المحبة والسلام, روح الانصهار مع البياض الياسميني المتواجد لدينا. ربما الوقت لا يتسع لكي نسألُ عن الياسمين، عن عطره المستشهد كما حالنا أو تراتيل كل يوم يمرُ علينا.
قد نكتبُ بمداد الياسمين لكي نستوحي بياضه ونسكبه بين مساحات وقتنا الحالم ربما برشّة عطرٍ لم تستشهد بعد  وتلقي سلامها الأخير. يقالُ: إن لكل شيء التماعة تشبه الكوكب المنير, تشبه العقل الحائر بين أحجية الياسمين وعطره الواهب أو مداد حبره الواعد.
يقال الياسمين لغة عشقٍ لا يفهمها إلاّ العاشقين، إلاّ من تنفس من خلال رئته وكتب بمداد محبرته.. قد نشتاقُ لأزمنة الياسمين, لأزمنة البياض الحقيقي.. هل تعودُ حقاً ونعزفُ على عودها مواويل تكثرُ بها  فنون المناداة، ولكن هل ينفع النداء؟ هل ينفع أن يأتي شتاء ونبقى كأشجار الخريف بلا أي رداء. هل تنفع التساؤلات في زمن يتيم الأجوبة، يتيم الياسمين وشجيراته الواعدة, شجيراته المُقمرة شعرياً.
نكتبُ بحبر الياسمين اشتياقاً مقهوراً وسلاماً نبتغي أن نلقي به على من يستحقون أوسمة الشرف، ونكتبُ بمدادٍ لا ينتهي حبره, باحثين عن تاريخ كان لنا, وكانت لغته جزء لا يتجزأ منا, كانت حلماً، لكن هل تمزقت أشرعته؟ هل اندثرت تضاريسه, تضاريس الحلم الياسميني الذي نعشق, ما زلنا نشتاقُ لك أيها الياسمين, نشتاقُ أن تصليّ بنا أوقاتاً عاطرة الذكر, عاطرة الإعجاز اللغوي الذي يستحم بمائك, ويتيّم الشوق إليك، والشوق إلى ما يعنيه الزمن الياسميني, ذلك الزمن الذي يحمل الكثير من الدلالات والكثير من الإيحاءات.
نكتبُ بمداد الياسمين، ونخشى أن تأتي أزمنة لتعلن يباب عطره, يباب أوقاته, ويباب كل شيء يذكرّنا به. أيمكن لزهره القدسي أن يتحول إلى أكفانٍ بيضاء تُعرش على جدران الذاكرة التي تغترب عنا بغية الالتحاق بأبناء الياسمين.
يقالُ: الوقت ينزفُ عطراً إذا ما فتحنا مجلدات تخصُّ ذاكرة الياسمين, تخصنا كسوريين، تخصُ ذاكرة الألق, ذاكرة الترفع فوق صغائر الأمور، فوق توافه الحياة التي ما كنا لنتخيلها تافهة لولا أزمتنا الحالية, لولا خبث التورم الذي أصاب الياسمين، أصاب صميم وقته أو صميم الأمان في  دنياه ودنيانا.
ما زال السؤال ينزفُ قهراً مزدوج الألحان، ما زال الوقت الياسميني يطرقنا أو نطرق على بابه ونتخيله أن يجعلنا من الفاتحين لمدائنه التي أرادها البعض أن تكون مقفّلة بالشمع الأحمر، وما زلنا نسألُ: هل يتحقق مرادُ غير مرادنا؟! هل ينكسر الحلم الذي زرعناه فوق سفوح قاسيون, أم يبقى الياسمين ومداد بياض محبرته التي نبجّل ونكتب بها.
منال محمد يوسف