ثقافة

في ملتقى الإبداع للمعهد المسرحي أيمن زيدان.. تجربة فنية رائدة

بتواضعه المعهود وحضوره المحبب وصدقه الذي عرف به على مدار مسيرة فنية وإنسانية طويلة، وبعيداً عن الاستعراض والتكلف في الكلام التقى الفنان أيمن زيدان مؤخراً طلاب المعهد المسرحي ضمن ملتقى الإبداع  الذي اعتاد أن يقيمه المعهد شهرياً ويستضيف من  خلاله شخصيات أثّرت في حياتنا الفنية والثقافية، وأكد د.تامر العربيد عميد المعهد في بداية اللقاء أن زيدان هو أحد الذين أثروا وبقوة في المعهد وفيما بعد في حياتنا الفنية، مشيراً إلى أنه فنان حقيقي يؤمن بأن الفن رسالة ولذلك فإن المعهد يفتخر بأنه  كان أحد طلابه المتميزين.
الحلم
على الرغم من مرور سنوات طويلة على بداية المشوار إلا أن زيدان الستيني لم يكن لديه أدنى صعوبة في العودة إلى الوراء واستجلاب ما في ذاكرته التي احتفظت كما بدا من خلال اللقاء بكل تفاصيل هذا الحب الذي يكنّه لمسيرته الفنية، والبداية بالنسبة له كانت مجرد حلم وكمن يحفر في الصخر، مؤكداً أنه لم يترعرع في بيئة فنية، ووالده لم يكن يعرف لا موتسارت ولا بيتهوفن، وكل ما في الأمر أنه وقع في حب التمثيل وكان معجباً به وهو في عمر الـ 14 بالفنان نزار فؤاد الذي كان يسكن بالقرب منه، إضافة إلى متابعته للأفلام التي كانت تقدمها سينما الزهراء، وتدريجياً تعرف على فرقة المسرح الحر التي كانت تضم مجموعة من الفنانين أمثال سعد الدين بقدونس وسلوى سعيد ونبيلة النابلسي والتي عمل فيها ملقّناً ومعلناً وبائع بطاقات، منوًّها زيدان أن بداية تحقق الحلم كان في افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية 1978 الذي كان بمثابة طوق نجاة لكل صاحب موهبة.. وتحقق الحلم وافتتح المعهد وتسلّم إدارته أ.أديب اللجمي الذي كان برأيه رجلاً استثنائياً وقد استقبل الخطوات الأولى لمحبي التمثيل ليكون بعد ذلك أ.فواز الساجر الحضن الحقيقي لـ 26 طالباً تم قبولهم كأول طلاب يدرسون في المعهد، وهذا ما حمّل هؤلاء مسؤولية كبيرة لرفد الحركة الفنية، مشيراً إلى أن جهوداً كبيرة بُذِلت من قِبَل الجميع لأن الطموح كان كبيراً رغم الإمكانيات القليلة، معترفاً أنه من حسن الحظ أنه وزملاءه بدأوا الدراسة في المعهد وإنتاج التلفزيون السوري من الدراما لم يكن يتعدّى العملين في السنة، وهذا ما جعل أحلامه لا تنصب اتجاهه وإنما اتجاه المسرح الذي كان المقصد والهدف عكس ما يحدث اليوم حيث تحول المعهد لمحطّة باتجاه التلفزيون لتحقيق الشهرة، مشيراً إلى أن جيله درس وتخرج في زمن قلة الإمكانيات، فكانوا محاصرين بالحلم بغياب التكنولوجيا، في حين أن الجيل الحالي أصبحت لديه هذه التكنولوجيا ولكن مع غياب الأحلام فدعا الجميع لأن يحتفظوا بأحلامهم لأنها المنارة التي تجعلهم يسيرون نحو الأمام، كما دعاهم لتقاسم المشاكل والحلول في المعهد دون أن يحمل طرفاً المسؤولية لوحده، وهذا ما كان يميز المعهد في بداياته، منوهاً إلى ضرورة أن يستفيدوا من وجودهم في المعهد الذي بات يشكل قيمة ورافداً حقيقياً للساحة الفنية لأنهم حينما يتخرجون سيحنّون لكل شيء فيه لأن الحياة بعد التخرج ليست كما هي قبل التخرج، مؤكداً أنه لم يدخل عالم التلفزيون من فراغ وإنما دخله وهو يحمل في رصيده الكثير من الأحلام التي سعى لتحقيقها وشكّلت له رصيداً يتّكئ عليه وهو واثق من نفسه وإمكانياته وقد كانت كل أحلامه حافزاً ليعبر عن موهبته، مبيناً أن جيله لم يدرس في المعهد من أجل التلفزيون وإن كان اليوم هو بوابة البعض باتجاه التلفزيون، ومع هذا طالبهم بأن يكون المسرح حلمهم لأنه يعطي قوة إضافية إلى المشاريع الأخرى وأن يتحلّوا بالصبر وعدم الاستعجال، فمعظم المخرجين السينمائيين السوريين على سبيل المثال لم يقدموا أعمالهم إلّا بعد مرور سنوات من تخرجهم .

عملت دون توقف
توقف زيدان قليلاً عند الفنان سعد الدين بقدونس، مشيراً إلى أنه كان رجلاً مغمساً بالموهبة ومحملاً بوجع حقيقي لأنه رحل وكان يحلم أن يقدم عملاً لا يشبه ما كان يفعله لأن الظروف لم تساعده ولم تحمِ موهبته ولا أحلامه ولذلك أكد زيدان أنه تعلم من مسيرة بقدونس كيف يحمي حلمه حتى لا تأخذه هذه المهنة لمكان لا يشتهيه، وهذا جعله يعمل دون توقف من خلال مسارح الهواة والشبيبة والجامعة، فقدم أعمالاً كـ “الزوبعة-المهرج-الملك هو الملك” وبعد التخرج عمل زيدان في المسرح العسكري وهناك التقى مجموعة من الفنانين أمثال فايز قزق وأمانة والي، كما أخرج فيه مسرحية بعنوان “المخططون” في العام 1982 ليصبح الحلم الأكبر بالنسبة له والذي لم يفرح لتحقيقه مثل ما فرح حينما وافق الفنان أسعد فضة على إخراجه لمسرحية “رحلة حنظلة” للمسرح الجوال.

الزمن رديء يحتاج لفن مختلف
ونبّه زيدان الطلاب إلى أن الشهرة ليست معياراً حقيقياً لطبيعة الرحلة الفنية للفنان الحقيقي، مشيراً إلى أنه وخلال عام 1981-1986 اعتذر عن 3 مسلسلات في بلد كان ينتج عدداً مشابهاً لهذا العدد، وكل ذلك من أجل أن يدخل من الباب الأوسع بعلمه ومعرفته ليكون قيمة مضافة للعمل الذي  يشارك فيه.. من هنا دعا الطلاب للتفكير مليّاً قبل اللقاء الأول مع التلفزيون لأن هذا اللقاء هو الذي سيشكل هوية كل واحد فيهم، معترفاً أنه يتفهم أن الظروف الحالية أصعب بكثير من السابق وأن المعركة التي يخوضها الخريجون اليوم أصعب من معركته وزملائه لأن الزمن اليوم رديء ويحتاج لفن مختلف في ظل تحديات كثيرة، كما فرّق زيدان في حواره بين نوعين من النجاح، الأول لحظوي ينتهي بسرعة، والثاني يأتي بالتقادم وعبر أعمال ذات قيمة وتؤثر في الجمهور وهي التي تبقى في الذاكرة.

المسرح ليس بخير
وعلى الرغم من أن المسرح هو أبو الفنون رفض زيدان تأليهه لأن المسرح برأيه لا يكون عظيماً في ظل وجود إمكانيات متواضعة، مطالباً أن نميز بين الفن الجيد والفن الرديء بغض النظر عن وسيلته، مبيناً زيدان أنه يحلم اليوم بوجود الشباب على خشبة المسرح، وقد بات أيضاً حلمه الشخصي أن تكون الصالة ممتلئة وألّا يجد الصقيع يلف أركان المسرح بحجة أن المسرح ليس بخير، مؤكداً أننا لسنا بخير لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولكن هذا لا يعني أن نغلق أبواب المسرح.

المثقف المتواضع
وقد بيّن الناقد سعد القاسم وهو الذي أدار الحوار بين زيدان والطلاب، أن زيدان ليس خريج الدفعة الأولى في المعهد فقط بل كان الأول عليها، وأنه يمثل حالة حقيقية للفنان المثقف المتواضع وقد كان طالباً وممثلاً ومخرجاً ومدير شركة إنتاج استثنائي وأنه أول من أسس لتقاليد العمل الدرامي على صعيد احترام الممثل وشروط عمله وقد أدار شركة إنتاج تميزت بجودة ما قدمته للدراما السورية فكان اسمه مرتبطاً بتطور الدراما من خلال اتكاء الأعمال التي أشرف على إنتاجها على نصوص لكتاب كبار، منوهاً كذلك إلى موهبته في كتابة الشعر والقصة القصيرة ولذلك هو يمثل تجربة فنية رائدة.

أمينة عباس