ثقافة

بين “زجاج” وزبيب” تنتصب إشارات الاستفهام وربما التعجب كأحجية

عرضان مسرحيان متزامنان قدما على خشبات مسارح العاصمة  “زجاج” إعداد وإخراج “أسامة غنم” عن مسرحية “الحيوانات الزجاجية” لمؤلفها “تينسي وليامز”  و”زبيب” كتابة “عدنان العودة” أما إخراجيا فحمل العرض توقيع الممثلة “نسرين فندي” في تجربتها الإخراجية الأولى.
بالتأكيد لن يكون من المنصف مقارنة نتاج مخرج مسرحي مخضرم كـ “غنم” بنتاج “فندي” الإخراجي على اعتبار أنها تخوض غمار التجربة الإخراجية المسرحية للمرة الأولى، إلا أننا أيضا لا يمكننا إغفال أن ثمة خللا رهيبا يحدث في الهيئة العامة للمسارح والموسيقا يتبدى ويظهر في سوية النصوص التي توافق عليها، هذه الجهة الرسمية لتنتجها كعمل مسرحي,  ففي حين يذهب مختبر دمشق المسرحي نحو تقديم عمل مسرحي مشغول عليه بحرفية عالية، مدته الزمنية تضرب واحدا من أهم معايير العرض المسرحي –زمن العرض الذي امتد زهاء ثلاث ساعات ونصف- وهي مقامرة كبيرة من مخرج ومعد “زجاج” بتقديمه عرض مسرحي بزمن طويل لمتفرج اليوم الملول، ونجاحه في هذه المقامرة بالحفاظ على انتباه الحضور من اللحظة الأولى للعرض وحتى نهايته- ذهبت مديرية المسارح والموسيقى لإجازة نص “زبيب” ليصبح حيا على خشبة المسرح القومي، والنص الذي كتبه للمسرح “العودة” عام 2003 ضمن ثلاثيته المسرحية “زبيب- خيل تايهة- المرود والمكحلة” هو نص مغرق في بيئيته الضيقة ويفتقد كما ظهر في العرض للعديد من المعايير الصارمة حول جودة نص ما وقابليته ليصبح عرضا مسرحيا يهم جميع حضور المسرح على قلتهم- أحد أهم المشاكل التي ظهرت في العرض، أنه خطاب مسرحي إقصائي بإغراقه في بيئيته كما قلنا دون بذل أي جهد دراماتورجي يذكر لجعله -أي العرض- عرضا جماهيريا يهم الجميع، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد  فالعرض “زبيب” الذي امتد قرابة ساعة من الزمن وبحضور فنانين مسرحيين مخضرمين كـ “رنا جمول- حسين عباس” بمشاركة مع جيل جديد “مجد مشرف- روجينا رحمون-شادي قاسم” –الحسنة الوحيدة لـ زبيب- بدا عرضا مفككا هزيلا مزدحما بالعديد من الفنون الأخرى” موسيقى لايف- رقص تعبيري-غناء- لعب مجاني بالإضاءة-الفنون التي بدا حضورها هو الأقوى على حساب العرض نفسه إن كان في مقولته التي أراد أن يطرحها أو في أداء الممثلين الذي جاء غير جدي ومتكلف وفيه انفصال واضح بين طبيعة الدور ومؤديه بسبب اللهجة البدوية التي وضعت حاجزا مباشرا بين المتفرجين وبين ما يجري على الخشبة، بعد أن انتصب هذا الحاجز نفسه بين الممثلين أنفسهم وحواراتهم أو مونولوجاتهم ما انعكس بالضرورة على الأداء، وهنا ندخل على نقطة أيضا مهمة في عملية الإبداع المسرحي الخلاق التي تتعلق بداية وبشكل خاص بأداء الممثل وقدرته على كسب انتباه الجمهور من خلال أفعاله وردودها، ففي حين قدم ممثلو “زجاج” “نانسي خور-كنان حميدان- سوسن أبو عفار-جابر جوخدار” أداء مسرحيا عاليا وراقيا ومشغولا بماء العين كما يقال، لم تنل من همته بل وإبداعه ساعات العرض الطوال، جاء أداء الممثلين الذين أدارت “فندي” أسلوبهم التعبيري وانتقت من بين العديد من المدارس المسرحية التمثيلية ما يناسب النص وبنيته الدرامية –كما يفترض- جاء مشتتا وبعيدا عن مزاج العرض، فحين ينهمك الممثل في إجادة اللهجة التي هي غريبة عنه وتعتبر حسب علماء اللغة لغة أخرى، ينعكس هذا الأمر سلبا على سوية الأداء الذي ينخفض تلقائيا، وهذا ما حدث في “زبيب” حين ظهر الممثلون-بنسبية طبعا- غير مجيدين للهجة العرض ومنهمكين في العمل عليها وكان أن فشلوا مرارا في ترجمة ما اعتراهم من مشاعر إلى لغة أو لهجة وأداء، فتعرضت سيولة التدفق الإبداعي التمثيلي إلى انقطاعات متعددة جعلتها ركيكة شيئا ما، ليصبح الخطأ في قول تلك العبارة أو في خوض الحوار بين الشخصيات، واحدة من المشاكل التي عانى منها الممثلون أثناء عملهم، وهذا يدل على أن فترة التحضير للعرض إما أنها لم تكن كافية أو أنها أساسا لم تكن مجدية، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى النص وإلى آلية انتقائه والموافقة عليه وإجازته من قبل مديرية المسارح والموسيقا. والسؤال: ترى ما هي المعايير التي تضعها المديرية لقبول نص أو رفضه؟ ننتظر إجابة مديرية المسارح والموسيقا على هذا السؤال، فالأمور ليست مزحة ولا تمر هكذا أو بعبارة أدق لا يجب أن تمر هكذا، هذه أموال الناس الذين لم يتوقفوا عن دفع ما يترتب عليهم من ضرائب رغم الحالة الاقتصادية الصعبة والقلة التي يعيشونها-أتحدث هنا عن الفقراء الذين هم دائما رافعة الفنون ولو على حساب لقمتهم- وبالتالي فإن صرف تلك الجهة أو غيرها من الجهات الحكومية على منتج فني وإبداعي ما، يجب أن يخضع لمعايير صارمة لا ترتضي أقل من إبداع حقيقي، وفي حال لم يوجد-وهذا غير وارد برأينا ومسرحية زجاج دليلنا- فالأجدى أن لا نقدم ما هو دون المستوى المطلوب بحجة انه زمن الرداءة، وهذا غير صحيح بتاتا.
بالتأكيد أيها السادة نحن مصرون كنا وما زلنا على أن الحياة في هذا البلد لن تتوقف بسبب قطاع الطرق واللصوص والإرهابيين، لكن المحاربة بالفن يجب أن تكون محاربة فعالة ويكفي أن نعلن أن نيتنا إنتاج الفن الجيد بلا وضع أي سقف آخر له- كما صارت حجة العديد من النتاجات الفنية السيئة في الدراما السورية على أنواعها التي تدعي أن المهم الاستمرارية لا النوعية- ليظهر هذا الفن أو هذا الإبداع ويحارب بجودته، فتكون سويته العالية هي سلاحه في كون إرادة السوريين في الحياة لم تنهزم تحت وطأة الحرب الثقيلة، لا من خلال الكم المهلل.
الهوة الواسعة التي ظهرت بين عرضيين مسرحيين سوريين تزامن عرضهما على خشبات مسارح دمشق “القباني –والدائري في المعهد العالي للفنون المسرحية” يدل بوضوح إلى أن لا آلية ولا معايير واضحة وحقيقة هي من يقرر إنتاج هذا العرض المسرحي أو ذاك لدى مديرية المسارح والموسيقا، الجهة الحكومية التي اتخذت الحكومة قرارا شجاعا باستمرار دعمها هي وكل المؤسسات الحكومية المنتجة للفنون، لإيمانها بأن الفنون هي من أسلحة السوريين الحقيقة في زمن الحرب كما البندقية، لذا فأقل ما تقدمه هذه الجهات هو الارتقاء إلى هذه الثقة التي منحها السوريون وحكومتهم لهذه المؤسسات.
ختاما أورد مقتطفا من حديث للكاتب”عدنان العودة” مؤلف “زبيب” للقدس العربي ذات التوجه السياسي المعروف في عدائه لسورية بتاريخ 2-12-2015، يقول فيه العودة: “تتناول ثلاثيتي المسرحية -زبيب والمرود والمكحلة وخيل تايهة-، منطقة الفرات والجزيرة السورية، التي عانت الأمرّين من استبداد البعث مرّة، ومن استبداد «داعش» مرة أخرى، وبالتالي ما تمّ العمل عليه لطمس تنوع هذه المنطقة العرقي والثقافي، علماً أنها من أكبر الخزّانات الثقافية في المنطقة”، هذا ما قاله مؤلف العمل بحق البعث الذي يؤمن بثقافة الاختلاف حتى لو شبهه احدهم “بداعش” بدليل انه اعتمد نص هذا الكاتب لينتجه من خلال مؤسسات الدولة المختصة!!.
تمّام علي بركات