ثقافة

عناوين صفراء

جلال نديم صالح

كثيراً ما يغرينا عنوان ما للخوض في تفاصيل مقال ما، أو حوار، والعكس صحيح، كم من عنوان باهت كان السبب وراء عزوفنا عن قراءة موضوع، رغم أن تفاصيله قد تكون مشوقة، لأن العنوان، كما نعلم جميعاً، وكما قيل، هو العتبة الأولى التي يلج من خلالها القارئ إلى النص، وهذا يؤكد أهمية أن يكون العنوان من روح النص، وأن يعبّر بصدق وشفافية عما جاء فيه، وهي الحالة الطبيعية كما يفترض، ومن البدهيات.
الحالة التي سأتحدث عنها، على سبيل المثال، ليست الأولى، وهي تتكرر دوماً، ويبدو أنها غدت أسلوباً لدى البعض، منذ فترة قرأت أحد العناوين لحوار مع فنانة سورية نشر في إحدى الصحف العربية، كان العنوان العريض الذي تلا اسم الفنانة، والذي عنون به الكاتب حواره الذي يتناول الدراما السورية: “الدراما السورية صناعة فاشلة”، وقبل أن أقرأ التفاصيل استهجنت مباشرة هذا التصريح لفنانة سورية تربّت في مدرسة الدراما السورية، وانطلقت منها لتحقق ما حققته على الصعيد العربي، دفعني العنوان الصادم لأقرأ الحوار كاملاً، لأكتشف أن الكاتب اقتطع العنوان من أحد أجوبة الفنانة عندما سألها عن حال الفنانات السوريات اللواتي يتقدمن في السن، ومدى حصولهن على فرص في العمل، وهو موضوع نوقش سابقاً، وكانت الفنانة قصدت بجوابها تعامل الدراما السورية مع هذا الجانب تحديداً، ولم تقصد الدراما السورية عموماً، كما حاول الكاتب أن يوهم القارئ من خلال العنوان، حالات كثيرة مشابهة قد تصادفنا، وقد يجد هذا الأسلوب من يدافع عنه ويبرره بوصفه نوعاً من شد الانتباه، والتشويق الذي يدفع بالقارئ لقراءة النص كاملاً، ربما كانت قناعاتي مختلفة قليلاً، وقد يوافقني البعض، وقد يختلفون معي، من المهم بالتأكيد أن تكون العناوين جاذبة، ومثيرة، ويلفها الغموض نوعاً ما لتلفت النظر، وهي ليست نقطة خلاف، لكن أعتقد أن الأسلوب السابق لا يندرج في هذا الإطار أبداً، بل هو أقرب إلى نوع من الاستغباء الساذج للقارئ، ومحاولة  للتذاكي عليه، وهذه الخدعة قد تنطلي على القارئ مرة، لكن لاحقاً سيستقر اسم الكاتب في ذهن القارئ محاطاً بالعديد من علامات الاستفهام، وسيفقد الثقة، فالقارئ ذكي، ويبحث أولاً وأخيراً عمن يحترم عقله، وأسلوب تفكيره، فلنكن على قدر الثقة حتى لا نقع في المطب الذي وقع فيه الراعي في تلك الحكاية التي نعرفها جميعاً، ذلك الراعي الذي فقد ثقة الناس بعد خداعه لهم عدة مرات، وكانت نهايته في بطن الذئب، ومن يخدع القارئ فإن نهايته ستكون فقدان الثقة والموضوعية به، وهما من أهم مقومات أي عمل ناجح.
أتمنى أن أكون قد وفقت باختيار العنوان المناسب لما سبق، ولم أقع في مطب العناوين الصفراء، باستعارة المصطلح من الصحافة الصفراء.