يلقون بأقلامهم على أملٍ
منال محمد يوسف
ويلقون بأقلامهم على صفحات الحياة أو على موج الأمنيات, يلقون بها زرقة من سماء تُمطر هنا وهناك، حيثُ يشتدُ عضد الحياة بمن يلقي بها، ويلقون بأقلامهم مخافة ألاّ ينزفُ الحبر أدباً، مخافة أن تقال الجمل وتأتي في غير محلها من الإعراب, مخافة أن تأتي جملاً لا اسمية ولا فعلية، يلقون بها في مهب الكلمات الهاربة إلى أين لا نعرف، ولا نعرف أين تستوطن الحروف التي هربت ذات زمن عندما كنا نحن العابرون, من خلف بيارق الزمن أو بيارق التاريخ, لم نحدد بعد جغرافية الرؤى التي كنا نحلم بها.
كنا كمن لا يرى الأقلام ومن يلقي بها, هناك على حواف الزمن المرتحل في ذهاب الأحزان وإيابها، هناك كانت تلك الأقلام التي تبحثُ عن قليل من الحبر، من محبة تُلقى على الأقلام ومن يكتب بها. أيلقون بها على ضفتي كتاب ما نزال نقرأه ونبحث بين سطوره عن أبطالٍ لا نعرفهم، لكننا نجّلهم بحكم ما نقرأ, نجّلهم كتاريخٍ نعشقه بحكم الانتماء رغم أننا لم نعش زمانه, لم نبرم صداقات مع عقلائه أو مع أسياده، إنما قرأناهم في كتبٍ، وقرأنا عنهم بيناتٍ من أمرٍ، لا يهرم ولا يموت مقتضاه العظيم.
ويلقون بأقلامهم على أملٍ في كل ساحٍ يبحثون عن فتحٍ قريبٍ أو بعيد, نداءاته تضرب جذورها في التاريخ، ويلقون بأقلامهم كميلادٍ تقترب شموعهم من التوهج, تقترب من التألق, تقترب من كل الأشياء التي يتلبس وقتها اللون الفيروزي, اللون الذي لا يتآكل مع صدأ السنين أو صدأ الأحلام المنتظرة هناك، المنتظرة فوق حنين الأيام وجراحاتها, فوق شواهق يتيمة القمم، يتيمة الامتنان العرفاني.
ويلقون بأقلامهم أو نلقي بما بقي لنا, من أوراقٍ لم تُمنح بعد ثقافة الاصفرار
أو ثقافة التناثر المعلن، يلقون بأحلامهم أو نُلقي بها عند مفصلات الزمن ومن يدرك ما هي هذه المفصلات؟ أهي ذاك النبأ الصادق الصدوق عن القلم وسرّه العظيم, سرّه المتواري خلف حجاب لا يستتر وراءه إلاّ كل خبرٍ جميل، يلقون بأحقية النداء الباقي والمستبقي لنا, ربما نداء الحياة, ونداء الأيام المارقات من خلف جفني المودة والتقرّب من بعضنا البعض،التقرب من بوصلة المحبة والاصطفاء الإنساني.
كل شيء يشدّنا إلى شطٍ فجره مشرق بحضارة الإلقاء, بتلك الأقلام التي لا
يجفُ حبرها, ولا يخفت أنيس نورها، لا تخفت ذكراها وألق الكتابة بها, ويلقون بفيضٍ من الألوان القزحية، ونسألُ عن أقواسها, عن الفواصل التي يجب وضعها بين الكلمات والتماس نبل معناها, نبل التواجد بين أوعية الحياة.
ويلقون بأقلامهم خبراً واعد المحبة سيأتي لا محالة مع شروق الشمس، أو مع تقادم العمر إلى أحسنه, إلى شجيرات وقته المثلى وأقلامه الفضلى.
ويلقون بأقلامهم أو نلقي بها في مهب الحياة المشتاقة لمن يعرب كلمة اشتياق
ويضعها في الفراغ المناسب أو التالي، كل الفراغات تئن اشتياقاً لتلك المسميات التي تشتاقُ لنبض الأقلام الملقاة هناك.
ويلقون بأقلامٍ تكتبُ لنا أناشيد الحياة, تكتب لنا مجدليات دائمة الجمال، دائمة الروعة, دائمة الوعد بتلك الأقلام التي سنلقي بها، كما ونكتبُ بها على وجلٍ, على وجعٍ, وعلى أملٍ، على أمنياتٍ تكتبها لنا عظمة الحياة.
ويبقى السؤال: متى نستشعر عظمة الإلقاء ونقترب بتماثل الشوق النبيل من مقولة “ويلقون بأقلامهم”.