ثقافة

القاسم في الأربعاء الثقافي: النقد التشكيلي كان موجوداً.. لكن ليس بالمستوى المطلوب

يعتبر البعض أن للنقد الفني التشكيلي سلطة الوصاية على الفنون التشكيلية، والناقد الفني هو من يمنح شهادة العمل الفني واللوحة وهو مروّجها، ما برر لأصحاب الصالات المروّجة للفنون بتشغيل ناقد مسوّق لجملة الأعمال التي تعرض في هذه الصالة، لكن أهل الفنون يؤكدون أن اللوحة هي الأسبق في الوجود وهي الكفيلة بتحقيق غايتها بذاتها الحاضرة، على أنها نسق إبداعي يحقق المتعة ويحمل الجديد الوافر بسعادة تصل للمتلقي الشغوف بالفنون الجميلة، ومن ثم دور الناقد أن يتبعها بالتقييم وتعيين الدرجة والقيمة لأثرها، فالنقد الفني مشروط وجوده بوجود عمل فني تشكيلي ذي تأثير أولا.
وقد تعددت المذاهب النقدية وتنوعت، سواء بالأدب، أم بالفنون واتخذت مناهج لها ضمن اعتباراتها الفلسفية وتماهت مع هذه الكتابات النقدية مجموع الرؤى والانطباعات التي كتبها الأدباء، في ظلال الأعمال الفنية العظيمة لكبار فناني التاريخ الإنساني.
في ندوة الأربعاء الثقافي التي أقيمت في صالة الفنان الراحل لؤي كيالي  في الرواق العربي حاضر الصحفي الناقد سعد القاسم حول مفاهيم جمالية في النقد التشكيلي، وصف فيها دور النقد بالوسيط بين اللوحة والجمهور، وعليه تقع مهمة تبسيط وتقريب العمل الفني وتسهيل تلقيه، وبالتالي فالكتابة النقدية هي النص الموازي للوحة.
وتناول المحاضر الكتابات النقدية في سورية، والتي رافقت الفن التشكيلي وأغنته. بداية هذه الأفكار النقدية توجّه الحوار الذي جرى في مرحلة الرواد بين الفنانين أنفسهم أمثال توفيق طارق وميشيل كرشة، إذا اعتبرنا أن الأول ممثل للواقعية الكلاسيكية في رسمه، والثاني يتبنى الانطباعية ما جعل من خلافهما مبدعاً، لوقوفهما على ضفتين مختلفتين، لكنهما ينتميان إلى عالم الفنون الجميلة ومن منتجيه، هذه الحوارات لم تنشر في الصحافة، ولا دوّنت في كتب لتكون ذات قيمة كبيرة للأجيال اللاحقة، حيث اعتبرها الناقد القاسم أنها جزء من اتهام متبادل بين اتجاهين مختلفين لا قاسم مشتركاً بينهما، كما تطرّق القاسم إلى خطورة الدور الذي يلعبه النقد، خاصة حينما يمارس الناقد سلطة تمنحه بعض الأيديولوجيات أو المواقع الرسمية، وأورد مثالاً على ذلك ما اقترفه النقاد بحق  الفنان الراحل لؤي كيالي الذي أنصفته لاحقاً بعض الكتابات الصحفية، خاصة ما كتبه الراحل ممدوح عدوان عنه.
وبالعودة إلى سيرة النقد التشكيلي في سورية عموماً يمكن أن نسمي بعض المراحل، وهي تسميات تتبع الفترة الزمنية التشكيلية، مثل  مرحلة جيل الرواد وجيل الحداثة الذي بدأ يرسم معالمه الراحل فاتح المدرس، وصولاً إلى جيل الثمانينيات، حيث الكتابات الصحفية الكثيرة التي أغرقت الأنشطة التشكيلية بمتابعاتها والكتابة عنها.
وقد ذكر الناقد القاسم فترة الناقد طارق الشريف التي تُعد من أنضج الفترات في الكتابة النقدية التشكيلية، حيث عزز هذه الفترة ما كتبته أسماء نقدية أكاديمية أمثال عفيف بهنسي وعبد العزيز علون وصلاح الدين محمد وخليل صفية، وقد شارك رجال الأدب في هذا السياق أمثال الأديب وليد إخلاصي وصولاً إلى عدد من الكتّاب الصحفيين أمثال عبد الله أبو راشد والنحات غازي عانا الذي استطاع أن يعد عشرات الأفلام الوثائقية والحلقات التلفزيونية عن الفن التشكيلي والفنانين التشكيليين.
وذكر المحاضر أن على الناقد التشكيلي أن يتمتع بثقافة عالية ومعرفة واسعة بالفنون التشكيلية، فضلاً عن امتلاكه الكفاءة اللغوية والأدبية التي تمكنه من الكتابة الخلّاقة عن العمل التشكيلي، واعتبر أن الفنان التشكيلي هو من الكفاءة المميزة بالتعبير وممارسة النقد التشكيلي، خاصة إذا كان يتمتع بالكفاءة الأدبية ويمتلك أدوات الكتابة الفنية، والفنان الراحل غازي الخالدي مثال ذلك، وقد تميّز الفنان عز الدين شموط الذي قدّم عدداً من المؤلفات الفنية، حتى إن الناقد القاسم سماه بالباحث  وليس الناقد على اعتبار أن ما قدمه شموط لن يقدمه أي ناقد تشكيلي آخر، وقد أثار الناقد القاسم في محاضرته حالات قصور النقد حين يتحول إلى الكتابة الشللية أو الكتابة التي تستهدف شخص الفنان، واختتمت الندوة بمداخلات وأسئلة من الحضور أجاب عنها المحاضر.
تساؤلات كثيرة تخللت الندوة ودفعت البعض للتأكيد على أهمية وجود مادة النقد التشكيلي في منهاج كلية الفنون الجميلة على غرار تخصص النقد المسرحي في المعهد العالي، علاوة على ضرورة  توثيق المنتج الفني التشكيلي الحالي ومواكبة فنون الشباب بلغة النقد السليم والواعي للدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة والفنون الجميلة في تعزيز الرسالة الإنسانية.
أكسم طلّاع