ثقافة

وردة حمراء لعيد الحب.. ولسورية كل زهور القلب

اقترب اليوم الذي تنبت فيه الورود الحمراء في قلوب العشاق، ليطغى اللون المفعم بالحياة على وجوه البشر، معلنين فيه يوم الحب، أو عيد القديس “فالنتاين”، يمارسون فيه طقساً إنسانياً يحقق حالة من الفرح، وُصف بيوم مدلل وأنيق لا تقف الحواجز في وجهه ليصبح بدعة، بعد أن كان شبه مفقود –عند البعض- في بلد من المحتمل أن تتحاشاه العيون، وتهرب منه الأفئدة ليعود الآن من جديد فتهطل أمطاره أناشيد الحب السحرية، ويُنبت قمحه كلمات الحب العفوية، في الواقع، ما نحتاج إليه فقط في زمن الحرب هو الحب، فهو الجذر الذي تقوم عليه العلاقات الإنسانية التي بدأت تزول معانيها، فهل اختلف معنى الحب ما بين الأمس واليوم في زمن تكاد رائحة البارود والدماء تطغى على كل شيء؟ لذلك توجهنا إلى عدد من أدبائنا ومثقفينا بأسئلة عن رأيهم بعيد الحب، وكيف ينظرون إلى الاحتفال بهذا اليوم؟ وقد اشترك الجميع في إجاباتهم بأن “سورية” هي المعشوقة الأولى والوحيدة التي يجب أن نعطيها كل الدلال والحب في كل الأوقات والأيام، دون تحديد أي يوم خاص بالحب، لتكون كل أيامها مليئة بالمحبة والعطاء.
حاجة كالأوكسجين
يعتبر الحب من القيم والقضايا الكبرى إنسانياً، ولعله الأعلى في منظومة القيمة الإنسانية، وهو الحد الإيجابي الأول المقابل لكل الحدود السلبية، فالأديب حسن إبراهيم سمعون يصف الحب بقوله: إن التقابل هنا ليس كوجود تكويني، بل كقيمة مضافة نسلكها فنطهّر أنفسنا من أدران الشرور والحسد والكره، والتي هي كتكوين لا وجود لها، ولا أعتقد أن الحب يختلف، كما لا يوجد حب قديم وحب حديث، فالحب هو الحب، لكن ربما تغيرت أشكال الممارسات وطرق التعبير عنه، فالجمال والخير والطيبة والعطف كلها قيم مصدرها واحد، وهو الصف الثاني في هرم الجسم العقلي الإنساني، الذي يبدأ بالوعي والعقل، ثم العواطف والأخلاق والمشاعر، فالجسم الأثيري، فالجسد، لذلك هي ثوابت كحاجتنا للأوكسجين والماء والحياة، فهل تغيرت حاجتنا للأوكسجين منذ آلاف السنين حتى الآن؟!.
وعن طقوس الاحتفال بهذا اليوم، يقول صاحب “الديوان الألفي”: الاحتفال بعيد الحب هو طقس جميل يحقق نوعاً من الفرح الإنساني، لكن ربما استغراق الشباب، والمبالغة بطقوس احتفالية سخيفة، يشكّل تسطيحاً للطقس، خاصة في بلادنا العربية، فنحن نعشق الوافد الغريب دون الانتباه، ونبالغ في تقليدنا دون دراية، وربما لو دققنا بتاريخنا السوري لوجدنا عشرات أيام الحب كأعياد يُحتفل بها، أتمنى أن تكون كل أيامنا أعياداً للحب، بعد أن يتعافى وطننا الجريح، وتعود سورية بلد المحبة والأمان، والنصر لجيشنا العربي السوري.

الحب دائماً
ولأن الموسيقا لغة عالمية، ووسيلة رائعة للتعبير عن النفس، وتغذية الروح والجسد، تتوحد لتكون لغة مشتركة بين الشعوب، إذ إن عزف نوتة موسيقية واحدة لتؤثر بطريقة واحدة لنشر الحبّ والسلام، ومن خلال الموسيقا يقيّم المايسترو عدنان فتح الله قائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية فيتحدث عن الحب:
وجدت الموسيقا على مر العصور لتحمل رسالة إنسانية مفادها الحب والجمال والسلام، وكل ما نقوم به نحن ينبع من أسمى مشاعر الوجود، وهو الحب من حب العازف لآلته أثناء احتضانها وقت العزف، وحب المؤلف الموسيقي لرنين كل نوتة موسيقية يكتبها بيده، ويجعلها تتناسب وتنسجم مع سابقتها ولاحقتها، ومن حب الموسيقيين لهذا الجمهور الذي يلتقون معه بين الحين والآخر في المسرح، ويعبّر مؤسس فرقة سوزدلار عن حبه للوطن: في هذه الأيام يجب أن نتعلق أكثر بحبنا للوطن بكل ما فيه، حبنا لترابه وسمائه، هذا الحب الذي يسمو فوق كل أنواع الحب، والذي بفضله، وبهذا الانتماء سيعمر الوطن، ويرتقي بكل المجالات، ومنها الموسيقا، لذلك ومن وجهة نظري يجب أن نكرّس الحب في كل خطوة نقوم بها، في كل عمل وسلوك يكون الحب شعاراً فيه ليس فقط ليوم واحد.

الأحمر للفرح
ولا ينفصل مفهوم الحب عند الأديبة لينا كيلاني عن الصدق، لأنه طريق إلى الوفاء، فإذا غاب الصدق انهزم الحب، وتأرجح بين أن يصعد إلى النجوم، أو أن يسقط في بئر النسيان، بالحب نحتفل، وخاصة في هذه الأيام، حيث ستنهض سورية من جديد متناسية جراحها، مشرقة بأصالتها، وحضارتها، وعراقة مجدها.
تقول كيلاني عن رؤيتها للحب: تسألينني عن الحب؟ وهل تنبت الشجرة دون الجذور؟ وهل تزدهر الفروع دون الأصول، أنا شخصياً أحب الحب نفسه، فالمحبوب قد يغيب، أو قد يخذلنا، لكن الحب لا يفعل، نكرّم مفهوم الحب برمزه الإنساني الواسع في يوم يختلف عن أيام القهر والغدر والخيانة، ونزرع بستاناً من ورود حمراء ننتزعها من صدور مازالت تشرق بأمل كبير في أيام قادمات، أيام بيضاء يكون الحب فيها عنواناً لأبناء وطن واحد يبدأ عند كل أحد عندما يتصالح أولاً مع نفسه.
وتضيف كاتبة قصص الأطفال: الحب عموماً على اختلاف تعبيره بين الناس من أهل وأصدقاء، أو بين العشاق، لا يتفتح إلا في مساحاته عطاء قبل أن يكون أخذاً، مفهومه ثابت لا يتغير أو يتبدل عبر الدهور والأزمان، ولعل الأزمات والأوقات الصعبة توقظه في النفوس مادام أحدنا ينشد أمناً وأماناً، وهل من طريق غير طريق الحب نسلكه حتى نصل به أو يصل بنا إلى شاطئ الطمأنينة والسلام؟.
وتدعو كيلاني إلى الحب في كل الأوقات دون تحديد يوم واحد مخصص له، وفي كل لحظة من عمرنا وعمر الأوطان، فهو ود وحنان ورأفة وهذا ما نبحث عنه بوجع في أيام الحروب والنكبات، حتى الزهرة لا تنشد إلا حباً لتتفتح عنها الأوراق، إن حباً من نوع خاص جداً يتفتح في أعماق روحي ينسحب على كل البشر ليصل في حرارته إلى الحجر، فكل ذرة من تراب سورية أراها زهرة بحاجة لدفق من الحب والحنان حتى تتفتح، وأنا أخبئ في قلبي وردة حمراء وهي رمز الحب في عيد الحب لتشرق بلون أحمر هو للفرح لا للدم. والحنين، وما الحنين، أليس هو قبساً من شعاع الحب، أجل ونحن نحمله ناراً تلسع كلما بعدنا عن أرض نحبها، أو شخص تعلقنا به، فما بالنا بوطن يسكننا حتى إذا ما ابتعدنا عنه، هكذا نحن أبناء سورية، وما تعودنا على غربة الديار.

هدية الله
والحب في سورية مازال لب الحقيقة، كما ترى الكاتبة فائزة القادري، ألف قشرة حياة تحيط به، في كل استيقاظ له مهرجان عيد، وحين ينام أيضاً يترك الأحلام الجميلة حارساً للعيد، فتقول: ليكن للحب عيد، هذا المدلل الأنيق، لا تضعوا حواجز في وجهه، يجعلون العيد بدعة، يتبعونه بتقليد الغرب، يفتحون صنبوراً دينياً ليصب في وعيهم مظهراً دينياً مخالفاً لهم، يفهمونه تجاوزاً للعادات والتقاليد والتدين وحدود العفاف، لهم تأملاتهم وفكرهم ومدى وعيهم، لن نشهر غضبنا في وجوههم لأجل عيد وحب، لكننا نعلم ومع الحدود والجهات الأربع له ومركز قلبه أن الحب كائن أوجده الله فكيف لا نحتفل بهدية الله.
وتتابع: الحب كائن من وجدان، له هيئة الماء الرقراق، عذب المحيا، وسيم الطلة، رومانسي الحضور، يكون أحياناً أكبر من نفوسنا، فيفيض متخذاً العيون والمسام والبحة وكل مخارج اللهفة والحروف ينابيع له، يأمر إيقاعات الجسد، يدان ورأس وخصر وتعابير، لتترك بصمة، وتوقيعاً على الزمان والمكان، مبهماً يأتي أحياناً مكتسياً الضباب، يخفي معالم مدننا، أو يتشكل غيمات في السماء صغيرة كبيرة متصلة منفصلة نستطيع اختراقها بطائرة.
وعن حبها الأبدي تقول: سورية الحب فيها يسكن قامات السنديان، يلوذ بريش العصافير يختبئ في رقيمات أبجدياتها، يصل إلى إنسانها ويطبعه بنكهته، حقول الأمان لسنوات كفلت له أجواء للتحليق، عافية للبقاء والوجود، وحين التصحر غزا حاملاً لهيب الحرب بين يديه. نزف وأشواك وطعن في ظهره، وركام وسلاح ومفردات تأخذ مريديه بعيداً، فالمحبون كومات لوعة، وضياع ومسافات على جغرافيته الممتدة خمس سنوات والحب كسير لا اتجاه له، يحرث المعارك ليملأ بيدر فرح لهم، لا غلو في وصفه هنا في بلدي.

الحبيب الأول والأخير
والحب أيضاً منحة إلهية وهبها الله لمخلوقاته لاستكمال ضرورات الحياة واستمرارها بشكل يجعلها أخفّ وطأة، إن لم يكن أكثر جمالاً، فيقول القاص نصر محسن: الحب هذا الشعور بالامتلاء والخفّة معاً، كأنّك مشبع، وتطير فرحاً، كأنك في حاجة لكائن آخر ليكمل فرحك، هو تلك النفحة السماوية التي انتشرت في هذا الكون بغير انتظام، فأخذ كل كائن منها على قدر ما يستحق، فمن ارتفع منسوب الحب لديه رأى الدنيا بعين الخير والفرح والجمال، فاستبعد من سلوكه كل ما يعيق رؤية الأشياء الحلوة، ومن تدنّى لديه ذاك المنسوب توحّش.
ويرفض الأديب محسن تحديد يوم للحب معبراً عن ذلك: الحب دفء ورقّة وحنان، منح دون حدود، وعطاء دون مقابل، أو دون انتظار المقابل، فهل من العدل أن نحدد يوماً للحب؟ الأيام كلها أعياد للحب. شرط أن نتمثّل رموز العطاء الإنساني اللامحدود، بدءاً من السيد المسيح، وليس انتهاء بآخر شهيد ترجم حبّه للوطن على طريقة المسيح الفادي.
عيد الحب رمز للاندهاش حين يأتي الحب فجأة، يجعلك تمتلك مشاعر لا تمتلكها في الأوقات العادية، وإن كان العيد مناسبة للقاء عاشقين، فهو يختصر الوطن في شخص، فليكن اللقاء بين محبي الوطن وعاشقيه وبين معشوقهم الأزلي. فالوطن هو الحبيب الأول والأخير، الحاضر أبداً في العقول والقلوب، وحبيبتنا سورية الآن في أمسّ الحاجة لأن نترجم حبنا لها، إن كنا عاشقين بالفعل، نلاقيها على الموعد دائماً، بالزنود البنّاءة، ببندقية نبيلة عاشقة، وبحبر يحمل القداسة في كلمة.
“آي لاف يو”
بدوره شارك الكاتب والناقد سامر محمد إسماعيل بمقطع من كتابه “أطلس لأسمائكِ الحسنى” كتبه خصيصاً عن عيد الحب يقول فيه: “الحب توقف عن إيذائي.. توقف عن ملاكمتي بهذه الطريقة.. أعرف أنك تلعب دائماً من وزن الديك.. وأعرف أنك تمتلك فكاً مطاطياً لصد اللكمات عن أسنانك اللبنية.. لكني محض حفيفك.. محض ارتطام رأسك على الحلبة.. محض ورودكَ الغامقة كالنباح.. أيها الحب توقف عن الموت بهذه الطريقة السينمائية المكشوفة.. توقف عن اللوبان وراء باصات النقل الداخلي.. عن الصراخ في عز الظهيرة على الواقفين لنيل شهادة التبرع بالدم.. هم أيضاً يعرفونك من شحوبك كلما هتفوا لك: بالروح بالدم نفديك أيها الحب.. فقط لا تأخذنا إلى مشاهدك اللطيفة.. إلى مناظرك الدموية الماكرة.. ولا تقل لنا بعد اليوم أنكَ تريد دبدوباً كلما لمستَهُ شهشق باسمك، فاليوم مررت بشوارع المدينة وكلها كانت تحشرج: آي لافيو..آي لافيو..آي لافيو..”.
بالحب نهزم عدواً، نكسب قلوباً، نغير نفوساً، ونصلح عقولاً، وبالحب نتغلب على المنافسين، ونغير الموازين، وبه فقط تلتئم الجروح وتُفتح مسارات جديدة وطرق كانت مغلقة، وفي الحقيقة، لا بديل لنا عن الحب لعودة بناء جسور الثقة والتقبل والمحبة والتغيير.

جمان بركات