ثقافة

غَزَل

بشرى الحكيم

هل كنا وفي أقصى حدود تفاؤلنا أو اليأس لنتغزّل يوماً بفردةٍ لحذاء؟!
نعم هو يحدث؛ عندما يمر بالبال حدث كانت الكلمة الفصل فيه للحذاء، هو يحدث حينما يحلّق الحذاء فوق كل المزابل التي يسجلها التاريخ بأقلامه المزيفة، ليوجه صفعاته هنا وهناك، حينما يحلّق الحذاء نحو وجه نائبٍ في البرلمان المصري، اختار أن يستضيف سفير عدوه في وسط داره وبين أهله، وأن يفاخر بشرف الضيافة فينشر صوراً توثق إنجازه الذي اعتبره خدمة لبلاده، وهل كنا ليشفى غليلنا سوى بانطلاقة الحذاء من يد نائبٍ أبى إلا أن يوجه رسالة إلى كل خائن وعميل، بل وكما قال: “إن طلب مني إهداء هذا الحذاء فسأهديه إلى الكنيست الإسرائيلي، شاهد عيان على نائب ثار لكرامة الشهداء والشعب المصري”.
نعم هو يحدث أيضاً حينما تعود – وهل غابت- إلى الذاكرة فردتا حذاءٍ لصحفي شجاعٍ جسور؛ أعد عدّته مسبقاً – وهو لم يكن مدعواً إلى الحدث- ونفّذ هو العارف بالصدى الذي سيحدثه حذاء مواطنٍ أبى إلا أن يسجل انتصاراً يذكره التاريخ طويلاً، عبر صفعة في وجه رئيس أكبر دولة في العالم تسلل كما اللصوص في محاولة فاشلة لاقتناص لحظة انتصار وهمية، فما حصد سوى العارٍ في مشهد يليق بشعبٍ أبي، لا تليق به سوى العزة والكرامة.
وهو ما يحدث أيضاً وأيضاً، عندما تقع الأعين على قرار بحكم هو الأعظم في التاريخ بحق أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، إذ يقضي عبد الله البرغوتي حكماً بالمؤبد مكرراً 67 مرة إضافة إلى 5200 عام، لمسؤوليته عن مقتل 67 إسرائيلياً؛ في عمليات استشهادية كان هو بطلها والمشرف عليها خلال عامين بعد أن استطاع العودة إلى الأرض المحتلة ببطاقة زيارة؛ هو المجرد من هويته ومواطنيته لفترة طويلة، فعاد مصمماً على تسديد أقصى ضربات للعدو في القدس المحتلة.
وللبرغوتي حذاء هو سلاحه الذي كان يمدّه بالعزيمة والمقاومة داخل سجنه، ينظر إليه أثناء التحقيق، مستمداً من آثار يحملها لدماء جثث الإسرائيليين الذين كان يصر على أن يدوس خوذاتهم بقدميه، بينما ينتزع أسلحتهم التي طالما وُجّهت إلى صدور أبناء فلسطين، منه استمد وقود عزّة وفخار، ومن قسوة جلده، وقد كان وسادته طوال فترة التحقيق؛ صلابة حَمَته من الانهيار والضعف أمام المحققين.
وهو ما يحدث اليوم وفي كل لحظة وعلى امتداد ترابنا الجريح هنا؛ حينما تدور الأمهات يحملن على الرؤوس حذاء أو بقايا من حذاء لأبناء وإخوة وأحبة، كانوا جميعاً في لحظة الحقيقة، الأوفياء لسورية من أبناء الحياة، الصانعين لمجدها، والحراس لانتصاراتها القادمة.