ثقافة

الـجـولان عــبـر الـتـاريــخ

كان الجولان منذ فجر التاريخ أرضاً عربية وموطناً للغساسنة ذكره النابغة الذبياني في العصر الجاهلي:
بكى حارث الجولان من فقد ربه      وحوران منه موحش متضائل
وجاء في معجم (لسان العرب) جذر (جول) الجَوْلان بالتسكين جبل بالشام، وفي (التهذيب) قرية بالشام سماه الرومان بالاسم العربي نفسه (جولانتيس) (Gaulanitis)، كان الجولان عبر التاريخ في قلب الأحداث، فمنذ الألف الثالثة وحتى اليوم كان مرافقاً للممالك والامبراطوريات، وكان معبراً استراتيجياً للحضارات التي تعاقبت على سورية.
أيام الحكم العثماني كانت الحدود الإدارية لقضاء الجولان متطابقة تقريباً مع حدوده الطبيعية، وكانت القنيطرة مركز القضاء وتتبعه مديريتان إحداهما في الشمال، مديرية الشعرة ومركزها (مجدل شمس) والأخرى مديرية الزاوية في الجنوب مركزها (فيق) ولم يكن الجولان يتبع ولاية الشام مباشرة، وإنما عن طريق سنجق حوران.

الجولان في العصر العثماني:
في مطلع القرن الخامس عشر (1516م) كانت نهاية الحكم المملوكي وانضوى الجولان مع معظم البلاد العربية تحت راية الدولة العثمانية التي دام حكمها أربعة قرون تقريباً، أي حتى عام 1916م، وكان العثمانيون قد دخلوا بلاد الشام إثر موقعة حاسمة جرت في (مرج دابق) بينهم وبين المماليك شمال حلب في 22 رجب 922هـ الموافق 23 آب 1516م، وهكذا زالت السلطة المملوكية التي استمرت من عام 1260م حتى 1517م بالسيطرة العثمانية على مراكز الخلافة الإسلامية السابقة في دمشق وبغداد والقاهرة، والتحكم بالموارد الاقتصادية في البلاد، والواقع أن سكان بلاد الشام لم يدافعوا أو يُناصروا المماليك لسوء سلوكهم وفساد حكمهم، كذلك لم يريدوا أن يشتبكوا مع العثمانيين الأقوياء لأنهم في الواقع كانوا يستبدلون حاكماً غير عربي بحاكم غير عربي دون أن يكون لهم أي خيار.
قسّم العثمانيون في بداية حكمهم إلى الأقضية التالية ضمن ماسمي قضاء القنيطرة التابع للواء حوران في ولاية سورية العثمانية:
1- الجولان الغربي: ويتضمن شاطئ طبريا الشرقي ومنطقة الزاوية.
2- الجولان الشرقي: يضم خسفين، عين ذكر، حبط، الشجرة، سحم الجولان، وبعض الأراضي الواقعة غرب العلان.
3- الشعراء: ويضم شماله الغربي وشماله الشرقي والجيدور وبانياس وسهل الحولة.
ساعدت مدونات الرحالة والجغرافيين، وهم في طريقهم من فلسطين إلى دمشق وبالعكس، على رسم صورة لحالة الجولان الاجتماعية والاقتصادية. عندما دخل العثمانيون إلى سورية كان الجولان حلقة وصل بين فلسطين وبلاد الشام. تمر منه طريق القوافل الرئيسية، لذلك عمدت الحكومة العثمانية إلى تقوية سلطتها على الجولان، فأقامت الحصون والقلاع، بدءاً من دمشق، مروراً بسعسع، وخان أرنبة، والقنيطرة، وجسر بنات يعقوب وملأتها بالحاميات العسكرية.
كذلك أبقى العثمانيون على الأمراء المحليين الذين اعترفوا بالسلطة العثمانية وتعهدوا بإقامة الأمن وجباية الضرائب، ومن هؤلاء (طرباي بن قراجا) المعروف بأمير الدربيين (أي الطريق)، وقد دام حكم (أسرة طرباي) للجولان حتى الربع الأخير من القرن السابع عشر. ومن المعروف تاريخياً أن المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن التي تمتد من جبل الشيخ في الشمال حتى خليج العقبة كانت تقيم فيها قبائل عربية أشهرها (بني صخر).

الجولان في عهد الأمير فخر الدين:
سيطر الأمير (فخر الدين المعني الثاني) على الشام الجنوبية، وتذكر المصادر التاريخية أن والي دمشق قد اشتكى إلى السلطان من ذلك، فهرب فخر الدين إلى إيطاليا، حيث قضى فترة خمس سنوات من عام 1613م – 1618م ثم عاد أقوى مما كان وانتصر انتصاراً حاسماً على والي دمشق في عنجر عام 1623م، فسيطر على الجولان وعلى صفد وعجلون ونابلس وحوران، وعيّن عليها أبناءه، وقد اعترف السلطان العثماني بسلطة فخر الدين لبقاء دفع الضرائب وإقامة الأمن، لكن السلطان مراد الرابع الذي كان مشغولاً بمقارعة الصفويين ما لبث أن خشي استفحال قوة (الأمير فخر الدين) بعد أن ضم إليه الساحل اللبناني والبقاع والجليل وحوران والجولان، فبطش بجيشه عام 1630م، ثم قتله عام 1635م.

الجولان في عهد الزيادنة
في القرن الثامن عشر أقيمت في الجولان إمارة عربية شبه مستقلة تسمى إمارة (الزيادنة)، وامتدت حتى منطقة الجليل والحولة، وقد ازدهرت هذه الإمارة وقويت شوكتها، فتحدت السلطنة العثمانية في عهد (الشيخ ظاهر العمر) وساندته القيادات السياسية في فلسطين والجولان وطبريا ولبنان والأردن حتى نهر اليرموك، واستطاع أن يسيطر على صفد وعلى ولاية الشام وصيدا وجبل لبنان عام 1702م، فشهد سليمان باشا حاكم دمشق حملة على ظاهر العمر سنة 1743م، لكن سليمان باشا ما لبث أن توفي قرب طبريا، فوسّع ظاهر العمر نفوذه حتى وصل إلى منطقة نابلس ومناطق سهل البقاع ومناطق في عجلون.
ثم قسّم (ظاهر العمر) أراضي إمارته على أولاده، فأعطى الجولان لابنه علي والي صفد، وأعطى ابنه الأكبر (صليبي) طبريا وأراضي القطاع الجنوبي من الجولان، لكن الخلافات ما لبثت أن احتدمت بين أبناء ظاهر العمر وحاكم دمشق، انتهت بالقضاء على إمارة ظاهر العمر عام 1775م بعد أن دامت أكثر من نصف قرن، وعندما حاول نابليون بونابرت دخول فلسطين عام 1799م بحث عن أبناء ظاهر العمر الذين قرأ عنهم في أخبار رحلة الرحالة الفرنسي (فولن) ليحكم خلالهم، لكن لم يجدهم.
في العقد الأول من القرن العشرين ألحق الجولان بمتصرفية درعا واستمر ذلك حتى عام 1910م، والجدير ذكره أنه أنشئت في عام 1909م مطبعة اسمها (مطبعة الجولان)، لكنها لم تستمر سوى سنة واحدة لأنها ألغيت بأمر من السلطات العثمانية.
(يُروى أن أحد أباطرة الصين توفي وعندما فتح ابنه وصيته وجد حفنة من تراب الأرض ورسالة تقول: هذا إرثك من كل أراضي الصين لأنه أعز ما أملك).
1- ينتسب الزيادنة إلى زيدان، لكن المؤسس الفعلي لسلطتهم (عمر صالح) والد ظاهر العمر.
2- ذكر السياسي السوري أيام الانتداب الفرنسي (فخري البارودي) في مذكراته أنه ينحدر من أسرة ظاهر العمر.
د. غَيد بيطار