ثقافة

“كوميداس والموسيقا الأرمنية” فرصة لتبادل الخبرات بين سورية وأرمينيا

لوحة الليلة الأخيرة للفنان سركيس موراديان تختزل قصة المبدع كوميداس الذي يرمز إلى شعب بأكمله بثقافته ومصيره الحزين، كان ضحية الإبادة الأرمنية فخسرته الإنسانية، و(كوميداس والموسيقا الأرمنية ) أول كتاب عنه باللغة العربية ترجمته الباحثة د.نورا أريسيان وتمّت مراجعته موسيقياً من قبل المايسترو ميساك باغبودريان هذا الكتاب، كان محور الندوة التي أقامها المعهد العالي للموسيقا بحضور السفير الأرمني بدمشق وشخصيات سياسية ودبلوماسية وأساتذة المعهد وعدد من الطلاب والمهتمين.

تشجيع التأليف الموسيقي
استهل الندوة عميد المعهد أنديه معلولي بالحديث عن أهمية هذه الندوات في نشر الثقافة الموسيقية، وتطرق إلى التقاطعات بين زمن الإبادة الأرمنية وما يحدث في الشارع السوري،وبيّن أن “كوميداس” ترجم معاني الحبّ والإخاء والمساواة في موسيقاه، وتغلغل في متاهات الظلم الاجتماعي، وقد أقيمت له العديد من الأمسيات على مسرح الأوبرا، وتوقف معلولي عند النقطة الهامة وهي رفد المكتبة العربية بالتأليف الموسيقي، والتشجيع على قراءة هذا الكتاب كأنموذج للكتب القادمة.

كتابة النوتة الأرمنية
“تُرجم كتاب كوميداس أثناء تساقط القذائف العشوائية، ورأى النور مع تباشير الانتصار المرتقب”، بهذا الكلام بدأت الباحثة د. نورا أريسيان الحديث عن كتابها الذي ترجمته من مصادر مختلفة، فبدأت من لوحة الغلاف للفنان موراديان، وتبيّن اللحظات الأخيرة لكوميداس عام 1915واعتقاله من قبل السلطات العثمانية، ووفاته في أحد مشافي باريس في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، وتابعت حديثها عن المحاور الأساسية في كتابها والدور الفاعل الذي قام به كوميداس بتاريخ علم الموسيقا عامة والموسيقا الأرمنية خاصة، فكان موسيقياً ومؤلفاً ومحاضراً وباحثاً وموثقاً للأغاني الشعبية ومؤسس عدة فرق موسيقية إضافة إلى دوره في الموسيقا الكلاسيكية الأرمنية، وقد وجد كوميداس علاقة وثيقة بين الأغاني الشعبية والروحية، ثم انتقلت إلى التعريف به كمؤسس علم الموسيقا الأرمنية الحديثة لرموز النوتة الأرمنية (الخاز) التي كتبها بشكل علمي، كما تناولت دراساته لموسيقا الشعوب المجاورة.

دراسته الموسيقا الكردية
وتحدث الإعلامي إدريس مراد عن الكتاب بأسلوب نقدي مثمناً الدور الفاعل الذي قام به كوميداس بدراسته موسيقا الشعوب الأخرى وعلاقته بالموسيقيين الأوروبيين لنشر الموسيقا الأرمنية ودراسته الموسيقا الشرقية، فأوجد ما يشبه حوار الحضارات الموسيقية، فشبهه  بالموسيقي زرياب الذي استفادت من خبرته الشعوب المجاورة،وتوقف عند محور هام من حياة كوميداس الموسيقية وهو دراسته الموسيقا الكردية التي أخذت حيزاً كبيراً من دراساته، وكانت موضوع أطروحة الدكتوراه، ووصف بأن ما قدمه للموسيقا الكردية يضاهي ما قدمه للموسيقا الأرمنية، وأضاف مراد بأنه حتى اليوم مازالت الموسيقا الكردية موسيقا ميتة باستثناء الموسيقا الكردية الإيرانية، أما عن الخصائص الموسيقية فتوقف عند تقنية تعدد الأصوات التي اكتشفها كوميداس في الزمن الموسيقي ذاته، وعن التراث الشعبي الذي أرشفه ووثّقه وأثبت أن لدى شعوب الشرق الأوسط موسيقا غنية.
ومما أُخذ على الكتاب -كما ذكر مراد- عدم الترجمة الدقيقة لبعض المسميات باللغة الكردية وعدم إلحاق الكتاب بنماذج موسيقية وغنائية لما وثّقه ودوّنه.

التوثيق الموسيقي السوري
وبدأ المايسترو ميساك باغبودريان حديثه من الرسالة الخفية التي وجّهها كوميداس لشعبه من خوفه على التراث الموسيقي الأرمني الذي وثّقه، وكأنه كان يشعر بقرب حدوث الإبادة لشعب بأكمله، ليتوصل إلى ضرورة توثيق الموسيقا السورية مستشهداً ببحثه عن أغان ميلادية شرقية فلم يجد موسيقا كلدانية أو سريانية أو آشورية مدونة للأغاني الميلادية، وخلال بحثه وجد أنها تُغنى بطرق مختلفة لأن الأصل غير مدوّن وهذا بمثابة جرس إنذار للاهتمام بالتوثيق الموسيقي السوري، ثم تابع حديثه عن الدور الذي قام به كوميداس بترجمة رموز الموسيقا الأرمنية إلى نوتات حديثة تمكّن الأجيال الحديثة من تقديم أفكار جديدة، كما تطرق إلى صعوبة إيجاد شرح المصطلحات الموسيقية باللغة العربية، مما يتطلب أن نقوم بأبحاث عن الموسيقا السورية تتضمن هويتها وبنائها وخصائصها كما فعل كوميداس بالموسيقا الأرمنية.

دوّن التراث الكنسي القديم
وأوضح ليفون عبجيان في مداخلته دور كوميداس في توثيق الموسيقا الكنسية وإعادتها إلى أصولها الصافية، وتوقف عند توزيعها إلى أربعة أصوات مستفيداً من دراسته نظريات الموسيقا الغربية فأوجد طابعاً جديداً للموسيقا الأرمنية الكنسية بمحافظته على التراث وإضافة الجديد.
سورية وطن للأرمن
وفي مداخلته تحدث السفير الأرمني في سورية د.أرشاك بولاديان عن تأثير  كوميداس بالأرمن ليس على المستوى الموسيقي فقط وإنما على المستوى الإنساني، من خلال الحفاظ على تراث المناطق التي تعرضت للإبادة، وتشريد شعب بأكمله وجد في سورية وطناً ثانياً، وتطرق إلى العلاقات السورية -الأرمنية وإلى تجذر الشعب الأرمني في سورية واندماجه مع الشعب السوري، ثم أثنى على الجهود التي بذلتها الباحثة د.نورا أريسيان في الترجمة من اللغة الأرمنية إلى اللغة العربية في مجالات سياسية وتاريخية وأدبية واجتماعية، وعبّر عن سعادته بالتعاون الموسيقي بين سورية وأرمينيا، كما وصف رئيس الحزب القومي الاجتماعي السوري جوزيف سويد هذا اللقاء الثقافي بالوجداني لاسيما أن المشهد الموسيقي السوري يشبه قوس قزح،وأضاف بأن الأرمن كانوا عامل غنى ثقافي في المجتمع السوري.
ملده شويكاني