ثقافة

هذا الحلم الجميل

سلوى عباس

باعتبار أن المسرح لا ينفصل عن الفنون الأخرى، فقد كان لرسامي الكاريكاتير المشاركين في المعرض الدولي للكاريكاتير في دورة عام 2006 رؤيتهم التي عبّروا عنها من خلال إبداعات صوّرت هواجسهم تجاه هذا الفن الشامل، الذي يعتبر بجدارة (أبو الفنون)، فهناك من عبّر عن المسرح بالحياة المليئة بالمتناقضات والمفارقات، هذه الحياة التي يحلم بها كل إنسان كما يرغب أن يعيشها، ورآه فنان آخر فناً مفتوحاً على المدى البعيد، مسرحاً ينشد الحرية والسلام، مسرح المتعة والفائدة، هذا المسرح الذي يستعيد ألقه من خلال أشخاص يقدّمون أرواحهم وكل ما يملكون لإعادته إلى دوره الفاعل في الحركة الفنية والإنسانية. وقد عبّرت إحدى اللوحات أصدق تعبير عن هذه الفكرة، حيث هناك عود ثقاب يحترق على الخشبة والجمهور أعواد ثقاب تتفرّج عليه وكأنها تنتظر دورها في الاحتراق، هذه اللوحة حملت من المعاني الكثير، حبَّ الحياة وحب المسرح، وتمثل حالة الاحتراق من أجل سعادة الآخرين وتحقيق الرسالة المستمرة عبر الأجيال.
كذلك المسرح هو حالة تعبير عن الوجود ونهاية هذا الوجود أيضاً، فهو يقدّم مفاتيح السعادة والبؤس حسب رؤية كل شخص للحياة، ودائماً الاختلاف قائم بين من يبكي غياب المسرح ويستسلم للأزمات التي يعيشها، وبين مَن هو مؤمن بالرسالة المسرحية أكثر ويعيش حالة من التفاؤل في أن المسرح باقٍ، وسيعود إلى سابق عهده من التألق والازدهار رغم كل الصراعات التي يعيشها، فكون الحياة مسرحاً هذا يعني أن حالة التأمل والأفق المفتوح هي السمة الغالبة على المسرح ومحبيه، هذا المسرح الذي يدعو إلى السلام بما يقدّمه من مقولات وما يناقشه من قضايا، وطرح أسئلة حول الوجود والإنسان.
لقد شكلت هذه الرؤى مجتمعة صورة استشرافية لواقع يمتدّ إلى الآن، فالمسرح بقي رهن شغف بعض محبّيه، وهذا ما أثبتته العروض التي قُدّمت خلال سنوات الحرب التي يعيشها وطننا، حيث اقتصرت العروض التي قُدّمت على جهود أشخاص حملوا عبء الرسالة المسرحية التي أدركوا أهمية دورها في الأزمات والحروب، ورغم تفاوت مستوى هذه العروض – بحكم الدعم الضئيل الذي رُصد لها- إلا أنها شكّلت بصمة تُحسب لأصحابها، ومما يؤسف له أن المسرح ودوره بقيا ضمن نطاق التنظير لا أكثر، دون أن تكون هناك أية خطوة جدية من المعنيين بالمسرح للاهتمام بهذا الفن الجميل وتطويره، وما يؤسف له أكثر الحسرة التي يتحدّث بها فنانونا في كل لقاء يظهرون فيه، وهم يعلنون ولاءهم الأول للمسرح بين الفنون، لكنهم يبرّرون اتجاههم إلى التلفزيون بالوضع المادي الذي لا يوفره لهم المسرح الذي يبقى العشيقة التي يتغزّلون بها كلما ضاق بهم الحال.