ثقافة

الشَّاعرُ الذي خاطبَ الشّمس

“يا بنتَ سوريَّة العظيمةَ موطِناً” حتماً، هي ليست المرة الأولى التي يُحلّق فيها الشاعر “قصي ميهوب” في فضاءات القصيدة معلناً: “أنا السوري – على الضوءِ أمشي”.. ليست المرة الأولى التي يُقرِّر أن يكون فيها “حطّاب الجنون” الذي يتأبّط “الريحان” ويصهلُ مع “صهيل القمح”. يفعل ذلك وهو يواجهُ الشمسِ التي أكثر ماخاطب من لا يجيد إشعال حرفه من نارها: “لا تدر ظهرك للشَّمس”. نعم، هي ليست المرة الأولى التي يحلِّق فيها هذا الشاعر الذي أبى أن يعانق القصيدة إلا ضمن “سهرة على سطح القمر”، أبى ذلك، ليشعر وبعد أن اقتحم برابرة هذا العصر، مساء وسماء عشقهِ السوري، بأن عليه مواجهتهم شعراً مقاتلاً وعنيداً ومتحدِّياً وصارخاً: ما أشبه كل منكم بـ “الكلب الأطرش”.. لا يسمعْ ولايرى ولا يهتدي إلا لسبيله الماضي إلى نباحهِ الأبدي.. هذا ماخاطب به “ميهوب” كل من يسعى للنباح في وجه شمسنا.. كل من يشبهُ في خيانته “الكلب الأطرش”. وهو عنوان المجموعة الشعرية التي أصدرها مؤخراً، والتي قدّم لها بما وجدَ فيه كل الحق.. كلّ الحقيقة التي آل على حرفهِ إلا أن يُعلنها بقولهِ عن دمشق: “دمشقُ ابنهُ أمها الكبرى سورية العظيمة، فهي قبل كل آلهات العصر الأرضي القديم، وقبل كل أنبياء العصر السماوي الجديد. قبل كل الأديان كانت وستبقى إلى أبدِ الآبدين، ولم يستطع دينٌ من الأديان اللاحقة كما السابقة، أو أي دين قادم الانطلاق والانتشار، دونها أو بمعزلٍ عن جبلها القاسيون، كليم الله في بلاد الشام”.. إنه ما بدأ به كفاتحةٍ لما أراد منه التأكيد، على ما أكده في قصيدته الأولى “لا إله إلا الوطن”.. أيضاً، لما أراد منه القول عن شهيد هذا الوطن، فسألتُ عنهُ فلا الحركاتُ، والأصواتُ لا.. ولا سرُّ الإشارهْ، ولا نجوى عِبارهْ ولا حبرٌ على ورقٍ أجابَ.. لا، ولا الورقُ لا الأحرفُ الأولى، ولا الكلماتُ إن تُقرأْ ولا الإملاءُ.. لا، ولا وحيُ إبداعِ النَغَمْ ولا التوراةُ، والإنجيلُ. لا ولا ماجاءَ في القرآنِ إلى أبدِ الزمانِ لا الأنثى من ذكرٍ.. لا، ولا الذَّكرُ ولا صلصالُ جبلتهِ، ولامسنونُ خِلقتهِ لا أحسنُ التقويمِ أجدى، ولا الهُدى إذا أهدى ولانارٌ، ولاجنَّةْ، ولا كونٌ تبرَّدْ.. لا ولا ربٌّ سيُعبدْ.. إذا لم نقلبِ المشهدْ ويعزفُنا النَّشيدُ الجديدُ: “لا إلهَ إلا الوطنْ.. ولا نبي إلا الشَّهيدُ بالتأكيد هو وطنه- وطننا.. وطن الفقراء والشهداء و”غرانيق الضياء” ومابين الوطن والأبناء: “الوطن-الأب” و”الصالحُ- الابن” هزَّت روح القُدّس “دمشق” جذع قاسيون من رطب الكرامة الوطنية. تُطعم الجوعى وتسقي العطشى، من عرق المقاومين الغرانيق”.. سادة الأرض ممن زادهم الشعر مكانة لأنهم أبناء تلك التي خاطبوها خِطَابه: يابنتَ سوريَّة العظيمةَ موطِناً وحضارةً مهداً لفكرِ الأنبياء بُوركتِ عاصمةَ الخُلودِ أمومةٌ كُبرى لِكُبرى والهوى «عِشتاريا» ومثلَ «يُوسِفَ» كنتِ بينَ أُخوَّةٍ والشَّعبُ في عُرفِ النَّوى «يعقوبيا» عشرونَ أختاً للسَّقيفةِ صوَّتَتْ والذِّئبُ في بئرِ العروبةِ لاطِيا في ظُلمَةٍ.. بدأ الصراعُ شراسةً حتى خرجتِ من الظَّلامِ إلى الضِّيا ونهضتِ مثلَ السِّنديانِ عراقةً فاخضوضرَ التاريخُ في أوراقِيا هكذا ختم “ميهوب” ديوانه الذي لم يخلُ رغمَ أزيز رصاص القصيدة فيه، من عطر عشقها، الذي وإن حرّمته على “أنثى القاع” إلا أنها ضمّخت به حبيبة الشعر التي أطلقها معلناً “لكِ الريح”.. هكذا ختم، فهل فعلاً هو خارج عن القانون، أم أنه قد بات مولعاً بجعل قصيدته مزنَّرة بإبداعه المجنون؟. إبداعه السوري الباقي بقاء إعلانه: “أنا السُّوري ورغمَ أنوفِ سادتكمْ سأبقى أيُّها الهَمَجُ أبثُّ العطرَ في الوردِ وأُهدي النحلَ للجردِ وشوقُ الحَدِّ للحَدِّ”.
إلهام سلطان