افتتاح معرض الربيع التشكيلي.. الشباب رافعة الجمال ورسالة السلام تنتصر بهم
للفنون التشكيلية من القيمة الثقافية ما يعكس حضارة المجتمع ورسالته الإنسانية والجمالية، واليوم وبعد سنوات خمس من الحرب لم تغب الثقافة عن دورها، ولا الفن التشكيلي عن حضوره كمرآة نظيفة تعكس توق الفنانين السوريين الشباب، المتطلعين إلى غد منتصر على الإرهاب والدمار، يخطون نحو الحياة اللائقة بالتضحيات.
في الأمس افتتح وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل معرض الربيع السنوي لهذا العام وقد ضم المعرض ما يقارب الـ 150عملاً فنياً تنوعت بين الحفر والنحت والتصوير الزيتي والمائي، ويعتبر هذا المعرض للفنانين الشباب حصيلة بالغة الحضور بمستواها الفني والجماهيري، كما يمكن تسمية المعرض بمهرجان الفنون التشكيلية الشابة، ومناسبة تبنى بالجهد والمتابعة، لتكون ثمرة عام فني تشكيلي يشارك فيه العديد من الشباب الفنانين المجتهدين، الساعين لتأكيد ذاتهم الفنية ورفد الحركة التشكيلية السورية، وإغنائها بملامح جديدة تضاف إلى سمعتها ومكانتها العالية في المحيط التشكيلي العربي والعالمي، وحرصاً من وزارة الثقافة على دورية هذا المعرض، وجعله تقليداً فنياً كل ربيع، ومختلفا بالمستوى عما سبقه، فقد تمت التحضيرات منذ بداية الإعلان عن قبول الأعمال للمشاركة في المعرض من خلال عرض الأعمال على لجنة متخصصة في هذا الشأن مؤلفة من فنانين وأساتذة جامعيين ونقاد: سعد القاسم – طلال معلا – لجينة الأصيل – موفق مخول – مصطفى علي – طلال العبد الله – يوسف البوشي – أنور الرحبي – عماد كسحوت وبسام أبو غنام. وقد انتقت اللجنة الأعمال التي من شأنها تشكيل معرض ذو سوية عالية من خلال انتقاء السوية والحافز عبر المكافآت في الاقتناء، واستبعاد الأعمال التي دون المستوى من العرض والمشاركة، مما حفز الفنانون الشباب لتقديم أعمالهم المنافِسة والجيدة، وقد خصصت اللجنة ثلاث جوائز لكل اتجاه منها للتصوير الزيتي والحفر “الغرافيك” والتصوير المائي والنحت، كما سميت جائزة باسم لجنة التحكيم وجائزة كبرى للمعرض و جائزة اتحاد الفنانين التشكيليين. وسيعلن عن الأسماء الفائزة في حفل تكريمي لهم.
كما تم تكريم الفنانين الراحلين بتصدرهم صفحات الكتيب المرافق للمعرض والتعريف بهم واستذكارهم: نذير نبعة – غسان السباعي – ماريو موصللي – محمد الوهيبي الذي سميت صالة العرض في مركز الفنون التشكيلية باسمه قبلاً، وللتذكير أن هذا المركز التربوي يتبع لوزارة التربية وبإشراف مباشر من الفنان موفق مخول الذي جعل المركز مع فريق عمله، من المرافق الفنية الحيوية على مستوى القطر فضلا عن دوره التربوي.
قدّم مدير الفنون الجميلة المعرض قائلاً: سورية هي نبع الحضارة والفنون ولازالت حتى وقتنا تعطي للإنسانية أجمل وأسمى الأعمال التي نفذّها وأبدعها فنانوها. وقد أثبت الفن التشكيلي تميزه في المشهد الثقافي العالمي من خلال اللقاءات والمشاركات. والفنانون الشباب أكدوا على استمرار بناء عملية الصرح الثقافي البصري، من خلال تطوير ما قدمه الرواد، والعمل على الابتكار والخلق الجديد. ورغم الصعاب ستبقى سورية الرائدة في الفن والحضارة والتميز.
الغرافيك
يتفق الرأي في المعرض حول المستوى الجيد لأعمال الحفر “الغرافيك” وتقدمها الكبير عن مستوى العام الماضي، وتميزت بالجدية والمنافسة فيما بينها وبين الاتجاهات الفنية الأخرى كالتصوير الزيتي والنحت، ويشهد لبعض الفنانين الحفّارين الشباب، موهبتهم المتميزة في هذا، منهم إياد النصيرات في عمله المسمى “رحيل” هذا الفنان الحائز على جائزة الحفر العام الماضي، وحمزة الحريري الذي قدم لوحته المسماة “حلم في منتصف النهار- طباعة حجرية” وراما السمان في عمل بتقنية “المونو تيب” وهي من الفنانات الشابات الواعدات، والتي تؤكد حضورها من خلال الأنشطة التشكيلية مع بقية زملائها الفنانين عبر مواكبتها ومشاركتها الفاعلة في العديد من الأنشطة التي حصلت هذا العام والذي قبله، ونشطت في الإعداد لها مع زملائها منهم الفنان شادي العايق “عمله منفذ بتقنية الطباعة الخشبية” وضحى ضوا التي قدّمت عملها المنفذ بتقنية الطباعة المعدنية “أفورد وقلفونة”، ومن الأهمية أن نورد أسماء بعض الفنانين الشباب الذين تميزت أعمالهم: محمد إياد الحموي- مارينا الشماس– ناتالي أحمد حمادة– ندوة الصواف– نور وردة– كاظم الوردي- كريم الحاج– علي أديب حمود– ريم الحاج ناجي وغيرهم من الفنانين الذين يتقاربون في الفكرة التي لا تخرج عن معاناة الواقع ومكابداته الإنسانية مثل عناوين أعمالهم التي تشاكس في الوجدان: رؤيا مسرحية لأحمد بسام علان وأبواب ونوافذ لآلاء الفشتكي وفزاعة الحقل لبتول رياض الموسى، والرؤيا المبكمة لجودي قردوح ومدينة من الذاكرة لزينب علي، وبؤس لسوزان عاصي.
التصوير الزيتي
تبقى المغامرات التقنية في فن الغرافيك أكثر جاذبية واتساعاً منها في فن التصوير الزيتي، الذي بقي مقولباً بلغة اللون والخط والحدود التقنية التقليدية، باستثناء بعض الاستخدامات للمواد المختلفة والملونة لجهة تحقيق سطح لوحة غني بملمسه وتأثيراته البصرية، بغية تحقيق الدهشة بلغة تسجيلية تقارب صورة الواقع أو المشهد أو البورتريه، إلا أن ما قدمته الفنانة خولة العبد الله من واقعية في التصوير حقق مكافئاً جديداً ومنافساً للتجارب التجريدية الحداثوية التي بدأت تأخذ مداها في التشكيل السوري. وأثبتت الفنانة العبد الله أن مقومات الرسام الجيد قد تكفي لتحقيق الإدهاش البصري، وإن كان الموضوع يبدو سطحياً من حيث فكرته إلا أن حرفية الرسام ضرورة لازمة لتحقيق الحد الأدنى من العمل الفني الذي ينحو منحى التصوير وبلاغته.
ومن المهم الإشارة إلى بعض الشباب الفنانين وأعمالهم لتميزها في ميدان التصوير الزيتي: أحمد الخطيب– أسمى الحناوي– سامي الكور- صبا رزوق- محمد عثمان زيدان– عارف نجدت عبد الله– شفيق بيطار– يسرى نطفجي ورهف مرتضى.
أما في مجال النحت فقد تنوعت الخامات من حديد وخشب وغيرها من المواد النبيلة، إلا أن الحكم عليها سيكون ايجابياً، ذلك لأن شروط هذه المحترفات النحتية تتطلب الإمكانات الكبيرة مثل توفر المادة الأولية والمحترفات والمشاغل التي تتوفر فيها معاملات السكب والصب والتلحيم والطرق والنجارة للخشب، والعديد من هؤلاء الشباب النحاتين هم من الخريجين الجدد، إلا أن ما قدّموه من أعمال فنية تستحق الوقوف أمامها طويلا ورفع القبعة لأصحابها، وبالتالي رفع الصوت أمام الجهات التي يمكن أن تقدم الدعم والتمويل لهؤلاء لأنهم يستحقون، ولأنهم أبناء الوطن المبدع ورافعة الإعمار والمستقبل الجميل.
أكسم طلاع