ثقافةصحيفة البعث

قراءة في المجموعة الشعرية “هوى العاشقين”

الشاعر عبد الكريم اللامي عراقي الأصل عاشق لسورية ومؤسس ملتقى دوحة الشعراء التي تهتم بالمواهب الشابة وتنميها ولديه عشرة مجموعات شعرية ومن بين تلك المجموعات اخترت “هوى العاشقين” لنبحث في مكنونات الإبداع اللا مألوف والوصول إلى نسيج اللغة المتناسقة والكلمة التي تنبض بمشاعر الشاعر اللامي حيث اعتمد القصيدة العمودية، وهو شاعر أراد أن ينطلق من الواقع ومن الناس وأحاسيسهم وأفراحهم وأحزانهم ليبدع الوصف، قدم للمجموعة الشعرية “هوى العاشقين” د. عصام خليفة حيث قال: “معادلة الإبداع هي السهل الممتنع، وهي النسيج الحريري الذي يرهق صانعه بكثافة العقد ويمتع مستخدمه بنعومة الملمس وهي معادلة لا تتحقق إلا بخيال خصب وأدوات قوية فهو مهاجر يستوطن الكلمة الموزونة ويستضيف قراءها بحفاوة الأهل وبساطة السهل”.

لنبدأ بقصيدته الأولى بعنوان “ثورة الأرق” فقال:

ترنو إليها العين ناظرة/كالأرض ترنو منه الودق/سحر غراني صرت مفتضحا/ماضل سحر غير منطرق/مزار سيف جمالها مدني/الشوق أصبح بالغا عنقي

هنا نجد أن الشاعر جعل شعره في دائرة الضوء وبدأ كالقبس الذي يؤتنس به فالملاحظ في شعره الموهبة الفطرية وتلاقحها مع موهبة الذكاء والصناعة  فالمجموعة تنوعت بأسلوب الطرح، واعتمد الشعر العمودي الذي يعبر عن واقع نفسي وروحي، فالوطن هو انتماء كالأم موطن الراحة والطمأنينة ونجد أن الحب هو الوسيلة التي تساعد الشاعر على كشف خطوط أفكاره وتحديد ملامحها وأبعادها ليترك لنا عبر المعاني المستوحاة والجمل الشعرية أن تتخيل إحساسه ونحس بمكنونات قلبه.

وفي قصيدة “أغنية الجمال” يقول”

غنى الربيع إلى أزهار طلعتها/وبادل الصيف في الألحان والصور/فالبحر أعلن بالإعصار غايته/أفاض شكواه بالإعصار من ضجر/وقال يطلب من عينيك ورقتها

زراق عينيك عذب الشهد للفكر

قصيدة اعتمدت السطر الشعري تقسيماً داخلياً فقد نهل من معين الجمل الشعرية السردية واعتمد على الاستعارة والكنايات الأدبية فقد أغنى الشاعر لغته الشعرية بضبط أسلوبه وبناء جملته من حميم تجربة وجودية جمالية ليتحدث عن الحرية والإنسان والمرأة التي كانت تظلل حروفه بنور الجمال.

كما اعتمد الشاعر اللامي الحوارية في قصائده وحاول أن يتفرد وينسجم صلات حوارية لشخوص قصائد مروية من حنين الهدوء، وفي قصيدة “اعترافات” يقول الشاعر:

حسناء اعشقها فهي الجمال وما/قالوا عن الخلق المفضال ماأكمل/لكنني من سعاد كنت في وجل/فصوت صرختها في مأمني زلزل/أما هويدة بنت العز تسحرني/فليس أرقى لها إلا بما أعمل

نجد أن الشاعر اعتمد في هذه القصيدة على الاستعارة الفنية والتشيكلية في صياغة مفرداته المتناغمة.

حين تقرأ هذه المجموعة تكتشف أن ثمة تداخل بين الشعر والموسيقى ونجد أن الشاعر قد أخضع العديد من قصائده لتشكيلات حيوية في صنع الزمان والمكان والأسطورة والخرافة أحياناً ليستنهض العالم وليس لتجميده ومن الملاحظ أن هيكلية قصائده بنيت على الذهني وهو المحرك الأساسي الحيوي الذي قدم بأسلوب فكري جمالي بحت.

وفي قصيدة “باحت لي بعشقها” يقول:

من قال إن الحسن كان جريمة/فالعشق لم يعبأ بدين أو علي/إني بعينيها أهيم مغيبا/إن جاء ليلي خلته الصبح الجلي/ماعيشنا لولا مفاتن حسنها/عبق النعيم بطرفها المتكحل/شفتان من عسل تبوح تغزلا/ماأجمل التصريح للمتغزل

لغة شفيفة وبوح عاشق طرز حروفه بجمال العيون، واستخدم الصور الفنية الجمالية التي زادت جمالية على المعنى.

قصائد المجموعة حلقات كل حلقة تصلك بالقصيدة الموالية ومع كل قصيدة جديدة تتهاطل علينا كل الصفات ونحن نتابع ليستمر الضوء وتتدفق مفردات العشق بقدر الدلالة الرمزية الفاعلية في النص، وتفصح مجموعة “هوى العاشقين” عن تجربة معاشة تمتلك الحس الرهيف والمعاني التي تشد القارىء للمزيد من القصائد والغوص في أعماق الحروف التي نسجت بإحساس صادق وفن إبداعي مميز.

هويدا محمد مصطفى