ثقافة

“عطر الخالدين” أدباء أطفال في أسرة متكاملة تدعم الفن والأدب

لم يتخل أحمد الطفل (12 سنة) عن حلمه بأن يصبح طبيباً، فحاول تجسيدها في قصيدة شعر، ولم تمح صورة البيت الريفي من ذاكرة زين (12 عاماً- في دير الزور) الذي أحبه كثيراً ورسمه في لوحته وقدمها في المسابقة ونال عليها جائزة تشجيعية، وعند سؤاله عن تأثير هذه الجائزة عليه، أجاب بفرح: “أتمنى لو أن هذا البيت حصل على الترتيب الأول، لكن رغم هذه الجائزة إلا أنني أراه أجمل منزل في العالم”. أما حمزة (15 عاماً) فقد فضّل رسم الطبيعة وحصان يركض بسرعة وقوة، فقد لجأ إلى الطبيعة لأنها أسهل وتشعره بالراحة ويرى فيها حلماً يستطيع من خلالها أن يطور موهبته ليصبح فناناً، أما محمد الزعبي (12 عاماً)  فقد كان تعبيره بالرسم من نوع مختلف حيث فضل أن يرسم مدينة تظهر بمنظر جميل وخلاب قبل أن يكون فيها أي أثر للخراب والدمار، ونقل جعفر أيضاً صورة المدينة التي كان يعيش فيها مجسداً فيها مكان بيع للخضار مع وجود جامع وكنيسة والعلم السوري يرفرف بينهما.

في الواقع، من يرسم لوحة مبدع، ومن يحوّل المادة الخام إلى منحوتة هو مبدع، ومن ينتج عملاً أدبياً أو لوحة شعرية فهو موهوب ويستحق كل رعاية وتقدير، فكيف إذا كان المبدع طفلاً أو شاباً يعبّر فيما يرسمه عن نفسيته، ويجسد ما يجول في أعماقه من مشاعر وما في ذهنه من تخيلات وتصورات، وانطلاقاً من دور الفن والأدب في تجسيد الحياة، وحمل الإنسان إلى عالم الخيال والسحر والجمال، أقامت وزارة الثقافة أمس فعالية  “عطر الخالدين” بمناسبة عيد الشهداء لتكريم الأطفال الفائزين في مسابقات أبناء وبنات الشهداء الأدبية والفنية لعام 2016.

معركة ثقافية
بفضل دماء الشهداء الزكية والطاهرة بقيت راية العزة والكرامة خفاقة في ربوع وطننا، وينعم شعبنا بالأمان، وأبناء الشهداء أمانة في أعناقننا ويستحقون كل الرعاية والتكريم، خاصة من قبل وزارة الثقافة، وحول التكريم تحدث وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل في تصريح خاص لـ “البعث” قائلاً:
الشهيد قيمة وليس شخصاً، وحياة متواصلة وليس فرداً ينتهي بزمن، نحن نتعلم منه كيف تتحول القيم الإنسانية من خلال مفاهيم العطاء والتضحية إلى فعل يستقر في الذاكرة والوجدان، يرفد المعطيات النبيلة والثقافية والإنسانية للشعب بكل ما هو قيّم ونبيل ووجداني، خاصة وأن سورية تقدم يومياً الكثير من الشهداء لمواجهة هذه الحرب الإرهابية الظالمة، وهذه الفعالية -أعتقد- أقل ما يمكن أن نقدمه لهؤلاء العظماء الذين نحن أحياء بفضل شهادتهم.
وأضاف: معركتنا الأساسية هي معركة ثقافية، معركة العقل ضد العتم والجهل، ومعركة الحياة ضد الموت، ومعركة الخضرة ضد القحط واليباس، وعندما نجند كل قدراتنا وإمكانياتنا في ترسيخ هذه المواجهة وتفتيح الوعي وتعميم المفاهيم الحقيقية ندفع الإنسان لاتخاذ المواقف الصحيحة والسليمة، والجميع مدعو لاستنفار كل طاقاته لمواجهة هذه الهجمة الظلامية التي تتوجه إلى اقتلاع الإنسان السوري من جذوره وكيانه وهويته تمهيداً لتعميم ثقافة الموت والخراب.

جو أسري متكامل
وتعتبر مهمة السيدة شهيرة فلوح المدير العام لهيئة مدارس أبناء وبنات الشهداء كبيرة جداً على الصعيد الإنساني والاجتماعي والفني، لكن قيمة الشهداء كبيرة، ولأبنائهم حق علينا في تنمية مواهبهم الفنية والأدبية فتقول:
عملنا ليس وظيفياً بالنسبة لأبناء وبنات الشهداء إنما هو عمل مقدس نقدمه لهم، خمس سنوات من الحرب ونحن نقدم واجبنا تجاه أطفالنا، وجعلهم يحبون الفن أكثر لننقلهم من الحزن إلى الفرح والتفاؤل، كما جسدوه في المعرض الفني المليء بألوان تعكس نفسيتهم، وأنا أجد نفسي متفائلة في كل معرض يضم مواهب أبناء وبنات الشهداء، وأقول أولادنا بأيدٍ أمينة، يعيشون ضمن جو أسري متكامل لاينقصه شي، وعندما انظر إلى اللوحات أقول لقد خطينا خطوة جيدة في مساعدتهم ليشعروا بالفرح والتفاؤل والأمل، فهم يستحقون هذا الحب لأن أباءهم استشهدوا لتحيا سورية.

الأزمة حاضرة
وعن شروط التقدم للمسابقة السنوية تحدث الفنان محمود سالم عضو اللجنة الفنية للمسابقة قائلاً:
هي مسابقة سنوية ، تقيمها وزارة الثقافة منذ ثلاث سنوات، مخصصة لأبناء وبنات الشهداء يقدمون فيها فقرات منوعة كالرسم والخط والشعر والمقالة. والحقيقة، هناك تنوع كبير جداً في الرسومات مثل أرض الحقول والفلاح والطبيعة والعامل في معمله، لكن أغلبية اللوحات كانت تعبر عن الهوية والشهادة والأزمة.
وأضاف: حددت الوزارة شروط التقديم للخط بكلمات ونوع الخط العربي، أما بالنسبة للرسم فهي من البيئة التي يعيش فيها الطفل، والمسابقة مفتوحة لجميع أبناء وبنات الشهداء.

أدباء أطفال
من جهتها صرحت مديرة ثقافة الطفل ملك ياسين أن الفائزين في مسابقة تكريم أبناء وبنات الشهداء سيعاملون معاملة الأدباء الأطفال من حيث الإخراج وتصميم الكتاب وطباعته وانتشاره في كل الأماكن، حيث ستعمل وزارة الثقافة على طباعة الأعمال الفائزة ضمن مطبوعاتها. وأكد العقيد علي عساف مسؤول الشؤون الإدارية أنه من خلال هذه النشاطات الفنية والأدبية يمكن إخراج ابن الشهيد من حالة الحزن التي يمر بها إلى حالة الفرح التي تتجسد بعدة أوجه كأنشطة الرسم وغيرها ليعبر الطفل عن داخله من خلال اللوحة التي يرسمها.
وتضمن حفل التكريم فقرة غناء لأطفال معهد صلحي الوادي وفقرات موسيقية وفنية راقصة لأطفال فرقة أجيال للمسرح الراقص.
جمان بركات