ثقافة

” الشيخ والبحر”.. صراع الإنسان مع الطبيعة

يعد همنغواي من أهم الروائيين وكتّاب القصة الأمريكيين. كتب الروايات والقصص القصيرة, غلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية, إلا أنه عاد ليجدّد أفكاره, فعمل في رواياته على تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان، وغالباً ما تصور هذه القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في  صراع  ثنائي، وفي جو من العزلة والانطوائية.

شارك همنغواي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث خدم على سفينة حربية أمريكية كانت مهمتها إغراق الغواصات الألمانية, وحصل في كل منهما على أوسمة، فقد أثّرت الحرب في روايات همنغواي وكتاباته، وعكس أدبه تجاربه الشخصية, حيث تمّيز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة, وترك بصمته على الأدب الأمريكي الذي صار همنغواي واحداً من أهم أعمدته.
دخل معترك الحياة المهنية مبكراً, حيث عمل صحفياً في جريدة (كنساس ستار) أجرى مقابلات مع كبار الشخصيات والأدباء, وتعّرف على أدباء فرنسا, حيث كانت الحركة الثقافية الفرنسية في العشرينيات تعيش عصرها الذهبي، وفي عام 1923, نشر أولى مجموعاته القصصية (ثلاث قصص وعشرة أناشيد) لكن أول عمل لفت انتباه الجمهور هو (الشمس تشرق أيضاً) لاقى هذا العمل نجاحاً منقطع النظير، ومنذ عام 1933, بدأ همنغواي يتردد باستمرار إلى كوبا، وفيها كتب عمله (الفائز يخرج صفر اليدين) ثم توقف عن النشر حتى 1935 لتظهر (روابي إفريقيا الخضراء). وما بين 1936و1938 عمل مراسلاً حربياً لتغطية الحرب الأهلية الاسبانية, وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن عدائه الشديد للفاشية الصاعدة آنذاك, بل دخل الحرب ضد النازيين والفاشيين، وكانت سنة 1940علامة فارقة في أدب همنغواي حيث نشر (لمن تقرع الأجراس) لتحقق نجاحاً خارقاً، وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة في السنة الأولى لنشرها، ونال عن حقوق الفيلم المأخوذ عنها 150 دولاراً وكان رقماّ قياسياّ آنذاك.
شخصيات همنغواي دائماّ أفراد أبطال يتحملون المصاعب دون شكوى أو ألم, وتعكس هذه الشخصيات طبيعته الشخصية. تلقى همنغواي جائزة بوليتزر الأمريكية في الصحافة عام 1953, كما حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1954 عن رواية “الشيخ و البحر”. بعد وفاته تحول منزله في كوبا إلى متحف يضم مقتنياته وصوره وأهم أعماله. اتسم أسلوبه المتميز في عالم الكتابة الروائية حيث عدت رواية “الشيخ والبحر” من أعظم الكتابات الأدبية في القرن العشرين وأنجحها. ذلك أن حكايات الصراع الإنساني مع قوى الطبيعة تمتد إلى فترات بعيدة في التاريخ، وتأخذ في ذلك عدة أوجه واتجاهات, وقد حفل تاريخ البشرية منذ نشأته بحكايات تجسَد هذا الصراع التقليدي والمستمر والمتجدد بين الإنسان المدافع والقوى المهاجمة، وكما هو معروف فإن الأدب والفن هما معبّر ومترجم حقيقي عن رؤى الإنسان وتصوراته, كما أن البعض أعدَه سلاحاّ إضافيا في الكفاح الإنساني,  والبحر ذلك العالم الساحر والميتافيزيقيا الزرقاء الرائعة كتبت حوله النصوص وعبّرَت عن جماله اللوحات, حتى صار ما يعرف الآن بـ (أدب البحر). وكان للأدب الأمريكي النصيب الأوفر في الكتابة عن عوالم البحر، وتجسيد قضية الصراع الإنساني مع قوى الطبيعة الغامضة. ومن الأعمال التي جسّد فيها همنغواي هذا الصراع روايته الشهيرة (الشيخ والبحر) التي دارت أحداثها حول صراع مرير بين العجوز وأسماك القرش والسمكة الجبارة، فقد تميزت هذه الرواية بخبرات واقعية بعالم البحر ويظهر قوة الإنسان وتصميمه وعزمه على نيل أهدافه والوصول إلى ما يصبو إليه، وإمكانية انتصاره على قوى الشر والطبيعة. هذا الصراع الدائم والمتجدد, القديم والجديد بين الإنسان وقوى الطبيعة الغامضة والإصرار على الاستمرار رغم ما حصل من إرهاق وهزائم متتالية، لكنها لم تدع هذا العجوز يستسلم، فقد يهلك الرجل دون أن يُهزم, فلا مكان لليأس وفقأ لمقولة همنغواي: “قد يتحطم الإنسان لكنه لن يهزم”.

إبراهيم أحمد