ثقافة

«تعالي نطير أوراق الخريف» في ندوة نقدية.. المخيم الفلسطيني في العين الساحرة

صدرت رواية الكاتب حسن حميد “تعالي نطير أوراق الخريف” في بداية التسعينيات من القرن الماضي عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وتعتبر هذه الرواية من أولى الأعمال الأدبية الفلسطينية التي تناولت المخيم الفلسطيني باعتباره مكاناً عامراً بالحياة والقيم الثورية والحلم، مثلما هو مكتظ بالسير الاجتماعية والفردية والسيرة الوطنية، بمعنى الذاكرة الفلسطينية التي تتداول بين الرواة في المخيم عن البلاد الفلسطينية وذكريات الأمهات والآباء التي تروى للأبناء..

هذا المخيم المجاور للمدينة “مخيم جرمانا” يتشابه مع بقية المخيمات الفلسطينية الموزعة في الشتات أو في غزة وهو يحمل نفس الملامح الروحية لهؤلاء الناس الذين يزرعون الحبق والنعنع في علب السمنة الفارغة، أو في صناديق الخشب والذين تتداخل حبال خيمهم فيما بينها وتتشابه في الشكل، لكنها تختلف فيما بينها حسب قول الراحل غسان كنفاني: “خيمة عن خيمة تختلف” وهنا مربط المعنى والقول في رواية الأديب حسن حميد التي تناولها النقد في الأمسية الأدبية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي بالمزة بمشاركة الأديب أيمن الحسن والناقد ملهم صالح والشاعر خالد أبو خالد وبحضور جمهور من الأدباء وكاتب الرواية د. حسن حميد.
تحدث الشاعر خالد أبو خالد عن الأدب الثوري ومواصفات هذا الأدب باعتباره فناً لابد من مضامينه النقدية والجمالية، فهو الفن الطليعي الملتزم قضايا التحرر والمقاومة، واعتبر الشاعر أبو خالد أن رواية “تعالي نطير أوراق الخريف” لحسن حميد و”البكاء على صدر الحبيب” لرشاد أبو شاور، من أهم الأعمال الأدبية الفلسطينية وتستحق صفة الأدب الثوري، لما فيها من جرأة مكاشفة للواقع الفلسطيني، فالرواية الفلسطينية هنا تؤكد حقيقة أن هذا الشعب هو شعب معمر يبني وله في الحضارة الإنسانية أسفارا بعيدة، ويمتلك من الإنسانية وثقافة الإصرار على الحياة ما يجعله شعباً منتصراً صاحب قضية عادلة تستحق التضحيات، وليس شعباً مخرباً عابراً كما تتهمه آلة الإعلام الصهيونية المدججة بالعنصرية والعدوان.
ويتفق الشاعر أبو خالد مع الروائي حميد على شخصية الفدائي ودلالة بدلة  “الفوتيك الخضراء” الرمزية على أنها ثقافة بدأت مع انطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني، التي كرست مفهوم الفدائي بحالته الطهرانية  المقدسة، وهذا الرمز بما يمثله من حالة وجدانية وضمير هو الذي يحاسب وهو الذي يلعن مظاهر الفساد والعري الوطني الفلسطيني. من هنا بدأت حساسية الأدب للواقع الفلسطيني وللسلبيات وبعض الممارسات الفلسطينية التي تنتسب للثورة.
تحدث الكاتب أيمن الحسن عن الرواية معتبرا أن المخيم هو رحم هذه الرواية وعنوانها، حيث اعتبر الحسن أن الأمل حاضر في الرواية من خلال إشارات في النص الذي يكتبه حسن حميد: “إذا أردت الغد فانتظر صباحاً آخر”.
واستعرض في مداخلته النقدية شخصيات الرواية “شتوة – حسن الشلبي” وآخرين واستشهد بشخصية بطل الرواية الذي يعود من موته ليلعن انحراف الآخرين وفسادهم. كما أضاف تنويهه بالمخيم لما يمثله من حالة الشعور بالمنفى، معتبراً أن عنوان الرواية يحمل مضمون التغيير، ويحّث على القيامة الجديدة من كابوس المنفى إلى حياة الحرية والثورة والعشق.
وما قدمه الناقد ملهم صالح من رؤية نقدية اعتمدت البنيوية كنهج في معايرة ومعاينة هذه الرواية، طرح فيها مفاصل فنية لغوية تناولها بالإشارة والتصحيح، مستعرضاً لتقنيات الكتابة الأمثل، ومتعجباً من الأخطاء الطباعية واللغوية في الطبعة الثانية، وقبل ذلك أشار إلى دراماتيكية هذه الرواية التي فازت بجائزة سعاد الصباح، ولم يحصل عليها صاحبها كما فازت بالمسابقة الأدبية في عمان ولم يحصل صاحبها على الجائزة أيضاً، بمعنى أن هذه الرواية قد حصلت على أكثر من جائزة ولم يصل لصاحبها إلى ثواب الكتابة!؟.
في نهاية الندوة قدّم الكاتب حسن حميد جانباً من وجهة النظر التي تحكم شروط الكتابة الروائية والكتابة النقدية عن أي جنس أدبي، وطالب بضرورة فتح المنابر الإعلامية أمام أهل الأدب والفنون، خاصة أولئك الذين ينحون في اشتغالاتهم الإبداعية منحى مقاوماً وتنويرياً، خاصة هذه الأيام التي أضحى فيه صوت الآخرين ينتج خراباً وظلماً للشعوب، وتغييباً للقضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، مما يتطلب حشد طاقات أكبر ودعم الثقافة الفلسطينية المقاومة.
نختم بالقول: إن هذه الرواية الفلسطينية التي صدرت عام 1992 قد كتب عنها عشرات المرات لما لها من أهمية أدبية، وقد طبعت أكثر من مرة، وأن ما كتب وما قُدّم في هذه الندوة لم يصل في مقاصده إلى أكثر مما قصدت الرواية نفسها، لأن الذاكرة الفلسطينية بخصوصيتها وإنتاجها، وبتجربتها وصلت إلى ملامح أكثر بلاغة مما يكتب الآن.
أكسم طلاّع