ثقافة

بسبعين لوحة مختارة لثلاثمئة فنان من ثلاث وستين دولة الفن ضد الإرهاب في دار الأسد للثقافة والفنون

لأنه الموضوع الأكثر حرارة، ولأن الجميع اكتوى بناره، والشعب السوري بشكل خاص، كان من الطبيعي للمعرض الدولي الثاني عشر لفن الكاريكاتير، الذي افتتح في دار الأوبرا مؤخراً، أن يحمل عنوان “الفن ضد الإرهاب” من خلال سبعين لوحة شاركت في مسابقة سورية الدولية للكاريكاتير، وما يُحسَب لإدارة هذه المسابقة والمتمثلة بالفنان رائد خليل نجاحه في استقطاب هذا العدد الكبير من الفنانين (300 فنان) من جميع أنحاء العالم في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي تعيشها سورية، لتكون حاضرة في دمشق من خلال فن الكاريكاتير، مؤكدين من خلال هذا الحضور على قدرة هذا الفن على مواجهة قضايا كبرى وخطيرة مثل موضوع الإرهاب، هذه اللعنة التي أصابت الجميع، وهي قناعة يؤمن بها الكل، لذلك أتى المشاركون في هذه المسابقة من جميع أنحاء العالم ليعبّروا عن هذا الغول الذي بات يرعب كل الشعوب.
فنانون عالميون
لم يخفِ مدير المسابقة الفنان رائد خليل سعادته الكبيرة بالعدد الكبير للفنانين المشاركين، معتبراً ذلك انتصاراً حقيقياً لسورية في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها، مثنياً على المشاركين في المعرض من خلال فهمهم الحقيقي لموضوعة الإرهاب، ولم يستغرب ذلك باعتبار أن المشاركين هم فنانون عالميون لهم باع طويل في هذا المجال، ويعترف خليل أن السياسة لعِبَتْ دوراً كبيراً في كيفية تناول هذا الموضوع وفي امتناع عدد كبير من الفنانين العرب عن المشاركة، مؤكداً أن كل من امتنع من هؤلاء الفنانين يساهم بشكل غير مباشر في دعم التطرف في المنطقة، مشيراً إلى أن من تعاطف مع القضية السورية أو الفلسطينية تعرّض لانتقادات في بلده، في الوقت الذي رفض فيه بعض الفنانين الخروج عن سرب أنظمتهم، وهذه المشكلة كبيرة لأنه سيكون غير قادر على التعبير المنطقي والصحيح والصريح عن مسألة مثل الإرهاب.
وبغضِّ النظر عن المستوى الفني للّوحات المشاركة يبيّن خليل أن التأثير الذي يمكن أن تحدثه لوحة، مرهون بقدرتها على شدّ المتلقي، وبالعموم هو مؤمن بقدرة فن الكاريكاتير على طرح القضايا الكبرى والحساسة بشكلٍ مباشر وغير مباشر عبر الالتفاف المبطّن على موضوع ما لإيصال رسالة ما.

تجارب فردية
وحول واقع فن الكريكاتير في سورية يأسف خليل لغياب حركة كاريكاتيرية، وبالتالي فإن ما هو موجود عبارة عن تجارب فردية متفرقة ومبعثرة، والسبب برأيه مسائل لها علاقة بطبيعة المجتمع والعادات والتقاليد، وبالتالي فإن المطلوب إعادة تأهيل نمط التفكير في مجتمعاتنا العربية الذي يجعل أي نتاج فني منقوص غير مكتمل، مشيراً خليل إلى أن لجنة التحكيم قامت وعلى عدة مراحل بفرز الأعمال وانتقاء اللوحات المطابقة لشروط المسابقة وموضوعها.

أجمل اللغات العالمية
ويبيّن الفنان موفق مخول أن المسابقة ومن ثم المعرض ضروري في هذه الظروف السياسية التي نمر بها، وإقامته رسالة للعالم تؤكد أن سورية ما زال فيها مبدعون قادرون على الحب والجمال.. كيف لا والشعب السوري حامل رسالة الفن للعالم، مشيراً إلى أن العالم كان يراهن على فشل وسقوط سورية وانهيار الثقافة السورية، في حين أثبت المبدعون السوريون عكس ذلك يوماً بعد يوم برسائلهم الراقية التي تعبّر عن قوتنا وإصرارنا على المحافظة على هويتنا الثقافية والجمالية.. وكعضو لجنة تحكيم اطلع على كل اللوحات التي شاركت في المعرض يؤكد أنه بدا واضحاً أن الإرهاب معاناة عالمية، وأن شعوب العالم تقف إلى جانب الشعب السوري ضمنياً في مواجهته، وأن حكام العالم يلعبون دوراً خبيثاً في تغيير الحقيقة وعدم إيصالها إلى الناس، إلى جانب الإعلام الغربي المسيَّس والمباع لإسرائيل وأميركا. ويرى مخول أن حقيقة الجمال أقوى من أي شيء، وهي حقيقة كونية موجودة داخل كل البشر الذين يحبون الحياة، وبالتالي كل الرسامين حاولوا أن يقاربوا في لوحاتهم بين الأدب والإرهاب الذي يحاول إلغاء الثقافات بكافة أنواعها، وما الثقافة السورية إلا جزءاً منها، وبالتالي فإن من يحاربها يحارب كل الثقافات. وبالعموم يشير مخول كفنان وكعضو في لجنة التحكيم إلى أن ما لفت انتباهه في هذه المشاركات هو تلك اللوحات التي تتناول موضوع الإرهاب بشكل غير مباشر لأن فن الكاريكاتير بالأساس يجب ألا يكون مباشراً، إضافة إلى ضرورة أن تكون فكرته ذكية وعالمية، وعلى هذا الأساس تم اختيار اللوحات الفائزة والتي انطبقت عليها المواصفات على صعيد الفكرة والأسلوب الفني العالي، منوهاً إلى أن فن الكاريكاتير فن استقلالي يعتمد كثيراً على الكوميديا الساخرة والنكتة الذكية كوسيلة لإيصال فكرته، متمنياً أن ينتشر هذا الفن بشكل أوسع لأنه لغة من أجمل اللغات العالمية التي يمكن التعبير من خلالها.. وعن الحرية التي يحتاجها فنان الكاريكاتير أشار إلى أنها الحرية القائمة على العقل واحترام الآخر، وهي الحرية المسؤولة التي تحترم الوطن والإنسان.

مسؤولية الفنان السوري
ويوضح عضو لجنة التحكيم المخرج السينمائي المهند كلثوم أن وجوده في اللجنة الخاصة بالمسابقة شرف كبير له، وهو سعيد بإقامته في هذه الظروف التي لم تؤثر على مسيرته، وهذا يعني أننا كسوريين صامدون بأفكارنا وفننا، وأن الفنان السوري لم يتخلّ عن مسؤولياته وهو يقوم بها ويحارب من خلالها إلى جانب الجيش العربي السوري على الجبهة الثقافية، مبيناً أن ما لفت انتباهه أن للمعرض رواده وشعبيته وانتشاره في الوطن العربي.. من هنا كان من الطبيعي أن يضم أعمالاً مميزة لفنانين عالميين، عرباً وأجانب أدركوا خطورة الإرهاب وعبّروا عنه كل بطريقته.. وعن أهمية وجوده كسينمائي في لجنة التحكيم يبين أنه وكونه خريج المدرسة الأوربية كانت مهمته تقييم الأعمال الأوربية، مؤكداً أن عينه السينمائية كانت تذهب دوماً باتجاه تفاصيل اللوحة وقراءة ما بين السطور فيها، لأن اختصاصه بالسينما يقوده إلى البحث عن ذلك.. من هنا شدته اللوحات غير المباشرة والخالية من أي تعليق أو كلمة، منحازاً بشكل أو بآخر إلى رمزيتها.

الإرهاب جائحة عالمية
وأشار د.عصام التكروري (علوم سياسية) إلى أهمية هذا المعرض لأن الجميع يعرف أن الإرهاب أصبح جائحة عالمية، مبيّناً أن وسائل مكافحته لا يمكن أن تقتصر على الجيوش والسلاح، وأن للفن دوراً كبيراً يمكن أن يلعبه في هذه المعركة، معتقداً أن هذا الكم الكبير من الدول المشاركة يعكس حجم التزام الفنانين بمكافحته ومواجهته، شاكراً د.التكروري الفنان رائد خليل وجهوده الهامة والكبيرة لإنجاحه وقدرته في استقطاب فنانين عالميين في مجال فن الكاركاتير.
ويستمر المعرض لغـاية 26 من الشهر الجاري.

أمينة عباس