ثقافة

“أحببتك أكثر مما ينبغي”.. عندما تكون المرأة ضحية حبها

تجسد رواية “أحببتك أكثر مما ينبغي” للكاتبة أثير عبد الله النشمي بوح المرأة بمشاعرها تجاه الرجل الذي تحب، والأهم أنها تحاول التعبير عن حالتها الذهنية في تناقضها الحتمي مع حالة الحب التي تعيشها، فالشرخ الذي يولّد عذابات جمة لا دواء له، ولابد قائم بين عقلها وقوة مشاعرها، وعطائها الذي لا حدود له للمحبوب: “كنت على استعداد لأن أصغر فتكبر..لأن أفشل لتنجح، لأن أخبو لتلمع..”، ونوعية حبها الذي لا يقدره بل يتجاهله أو يقوم باستغلاله لصالح أهدافه الشخصية الأقل قيمة من ذاك الحب الصادق، “ما زلت لا أدرك، كيف يتلاعب رجل بامرأة تحبه دون أن يخاف للحظة مما يفعله نحوها، ففي كل مرة وبعد كل خيبة أمل.. بعد كل محنة وكل نزوة.. كنت أحاول لملمة أجزائي لنفتح مجدداً صفحة بيضاء أخرى، لكن البدايات الجديدة ما هي إلا كذبة”.
تبدأ الكاتبة باستعادة ذكرياتها مع الرجل الذي أحبته منذ البداية في مقهى خارج وطنها الذي غادرته للدراسة: “الوطن الذي لو لم أغادره لما حدث كل هذا.. أتكون أنت عقابي على مغادرة وطن أحبني!..”، وفكرة العقاب والثواب التي يسخر منها عزيز بطل الرواية، تؤمن هي بها: “مؤمنة أنا بيوم الحساب أكثر من أي شيء،” لأنها تأمل عبرها أن ينال عزيز عقابه على ما اقترفه بحقها.
في يوم من الأيام يلتقيان بامرأة عجوز هندية غريبة الأطوار فتقول لهما ودون سابق معرفة: “هي متعبة منك، منك فقط، وأنت متعب من كل شيء..”، وقالت لها “هيفاء” صديقتها الكويتية التي تتخاصم دائما مع عزيز، بأنه لا يستحقها، وتقول جمانة له اليوم “حبي لك كان أعمى يا عزيز، وإن هيفاء رأت فيك ما لم أره..”. رأت الكذب المتسلسل والخيانة والإنكار الذي يشكك الآخر بنفسه وبعقله وإحساسه، وهي صفات تتجاهلها المرأة التي تحب رجلاً يحبها لكنه غير قادر على الالتزام بها، “قلت لي يوماً بأن حكايات الحبّ الشرقية غالباً ما تنتهي بمأساة، واليوم أعرف بأنك كنت محقاً في هذا..”.
“أحببتك أكثر مما ينبغي”، رواية لاقت وجهات نظر متباينة، فهي تنقل  بصدق عميق ما يدور في أعماق المرأة من حب،ّ من أحاسيس وأفكار وتناقضات، إذ تظن أن الخيار الصعب إلى أقسى مداه يكمن في الحفاظ على مشاعر الحبّ الجياشة واستمرارها، على حساب التنكّر للذات الواعية والمدركة لتلاعب الطرف الآخر بها، لكنها بأي حال، وحتى في حال دفع الحساب، لن تحصل على مبتغاها.
“قهرني هذا الحب، قهرني لدرجة أني لم أعد أفكر بشيء غيره، أحببتك إلى درجة أنك كنت كل أحلامي، لم أكن بحاجة لحلم آخر كنت الحلم الكبير، العظيم، الشهي، المطمئن الذي لا يضاهيه في سمه ورفعته حلم….”.
أسلوب جميل بعرض الرواية، تجعل من القارئ يستمتع بروح الحب والعشق، وعندما تتغلغل الحروف بمشاعره يشعر وكأن الأحداث تجري أمام عينيه، وذلك من دقة التفاصيل والوصف المبدع، بالرغم من أن أسلوبها يشبه إلى حد كبير أسلوب أحلام مستغانمي بطريقة عرض الرواية واستخدام اللغة الأدبية، وأيضا بالغت بوصف ضعف الأنثى وتلهفها على رجل لم يعرف معنى الرجولة الحقيقية، وكثيرا ماتحدثت عن إذلال المرأة وعدم ثقتها بنفسها وأنها بلا ذاك الرجل هي لاشيء، وجعلت من الحب تضحيات من طرف المرأة فقط وهو ليس كذلك، بل الحب شعور متبادل بين الطرفين، وجعلت منه مذلة واستعباد، فقد قال لها عزيز وبصراحة: “اسمعي.. أنا رجل لعوب، أشرب، وأعربد وأعاشر النساء، لكنني أعود إليك في كل مرة..”، وكانت تتحمل الأذى: “تؤذيني عمداً وكأنك تفرغ في نفسي أحقادك وأوجاعك وأمراضك، تؤذيني عمداً باسم الحبّ..”، وهي بالرغم من كل الحقائق والوقائع تعترف: “لم أبكِ بحرقة إلا بسببك ولم أضحك من أعماقي إلا معك.. أليست معادلة صعبة..؟ عندما تقرأ تلك الكلمات تشعر لو أن “جمانة” بطلة الرواية أمامك لتصفعها على وجهها كي تستيقظ، فقد أهانت وصغرت من نفسها كثيراً.
إضافة لذلك تبسط الرواية أمام عينيك المجتمع السعودي الذي يرضى ملوكه كل شيء لأنفسهم ويحرمونه على شعبهم، مما جعل منهم شعباً مكبوتاً بانتظار أي فرصة خارج بلاده ليعبر عن بشاعة ما في داخله من شدة الضغط الذي يعيش به في بلاده، ونلتمس ذلك بسلوكيات عزيز المرضيَة واستهتار جمانة بزيها الإسلامي وتخليها عنه ببساطة.
دانيا عبارة