ثقافة

أعمال البيئة الشامية تدخل مناخات جديدة

مازالت الأعمال الشامية تحظى بمتابعة كبيرة على المحطات الفضائية، رغم أنها تقف مقابل أعمال اجتماعية لامست أوجاع الناس وجسدت قضاياهم، ومنها ما فتح ملفات الفساد بجرأة تبيّن سقف الرقابة المفتوح، ورغم ذلك بقيت الأعمال الشامية هي الأقرب في رمضان من المشاهدين في الدول العربية وبلاد الاغتراب، هذه الأعمال التي استمدت خلفيتها من تاريخنا المعاصر وملامح تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، وتدور ضمن قطبي الصراع بين الخير والشر ومقاومة شعبنا للعثمانيين والفرنسيين.

الأمر اللافت أنه في دراما 2016دخلت الأعمال الشامية مناخات جديدة لم تكن مألوفة سابقاً ضمن سياقها الدرامي، ففي مسلسل “صدر الباز” يقوم ابن زعيم الحارة رسلان (الفنان أيمن رضا) بسلسلة جرائم، والحدث الأكبر أنه يقتل زوجته في غرفتها ويقوم بتهريب الجثة في عتمة الليل لدفنها والادعاء بأنها هربت مع حبيبها السابق، والغريب في القصة أن والدته زوجة زعيم الحارة الفنانة (سلمى المصري) تساند ابنها في إخفاء جريمة قتل زوجته في منزل الزعيم الفنان أسعد فضة الذي هو قدوة لأهل الحارة، كما تسترت على جرائمه السابقة.
في مسلسل “عطر الشام” يجسد الفنان رشيد عساف شخصية الزعيم في كاركتر جديد من حيث الشكل ومفردات الشخصية، مستخدماً مفرداته الخاصة في التعبير عن سلوكيات هذه الشخصية التي تمثل الزعيم المحب لحارته وبلده، والذي يعمل مع الرجال لمقاومة الفرنسيين، في الوقت الذي نلمح فيه إيماءات تشير إلى خيانة زوجته فوزية مع رجل يعمل عنده وقريب منه “شغيله”، يبدو هذا في تهديده لها وطلب المال منها، وعدم إنجاب زوجتيه السابقتين، لاسيما أن زوجته كاملة (ليليا الأطرش) أنجبت في زواجها السابق، مما يوحي للمشاهد بخيانتها للزعيم. وفي المقابل نرى أن أعمال هذا العام تطرقت إلى مسائل حياتية واجتماعية كانت موجودة واقعياً لكنها غائبة درامياً في الأعمال الشامية السابقة، والأجزاء السابقة من باب الحارة، ففي الجزء الثامن من هذا العمل ظهرت شخصية المحامية جولي (سلاف فواخرجي) التي تمارس عملها وتأخذ دورها، وتتجول بلا حجاب دون أن يوجه لها الانتقاد من أحد، لتقدم لنا الأحداث المرأة التي درست في جامعة دمشق العريقة والمعترف بشهاداتها، كما أدرجت ضمن الخطوط الدرامية العمل بالجمعيات النسائية، من خلال شخصية خالدية (ندين تحسين بيك) القادمة من فرنسا والتي تريد إنشاء جمعية للنهوض بالمرأة، والمطالبة بحقوقها وتعليمها بمساعدة سعاد (صباح جزائري) زوجة الزعيم (أبو عصام) عباس النوري، يلتقي هذا الخط مع مسلسل “عطر الشام” الذي تطالب فيه زوجات عضوات الحارة بتعليم الفتيات في المدارس وتعليم النساء في المنزل. في الوقت ذاته نرى التغييرات التي طرأت على المجتمع كما في سلوك زهدي –المهندس في البلدية -في باب الحارة (فادي صبيح) الحاصل على شهادة جامعية من فرنسا، ويريد تغيير تنظيم حارات الشام متمثلاً مشاهداته وتأثره بالتطور العمراني في فرنسا بعد الثورة الصناعية، متناسياً تاريخ حارات الشام وقيمتها المعنوية، ليقف له الزعيم الذي يتمسك بالتاريخ والأصالة بالمرصاد.
أيضاً دخول المشهد الثقافي من خلال حضور السينما التي كانت طقساً حياتياً ثقافياً واجتماعياً، وذهاب عصام ابن الزعيم إلى السينما بتشجيع من والده واصطحاب زوجاته في إشارة إلى نمو الوعي الثقافي.
الموضوعات الاجتماعية الجديدة التي بدت في هذه الأعمال دلّت على التطور الفكري والتعليمي آنذاك، وعلى التطور الاجتماعي والحياتي الذي كانت تعيشه المرأة التي وجّهت لها انتقادات كثيرة لظهورها بدون حجاب، لاسيما في علاقتها مع زوجها التي تصل إلى مرحلة التقديس، لكنها في الحقيقة كانت شريكته الفعلية في أفكاره وعمله ومقاومته ضد الفرنسيين، كما رأينا في الأجزاء الأولى من باب الحارة كيف تبرعت النساء بمجوهراتهن لشراء السلاح والوقوف إلى جانب الرجل في معركته تجاه وطنه.
ملده شويكاني