ثقافة

غواية الرواية في مسلسلي “الندم”و”أيام لا تنسى”

في مراجعة سريعة لتاريخ السينما في العالم نتلمس تلك الهيمنة المفرطة للأفلام التي اعتمدت على أعمال روائية لكبار كتّاب الرواية في العالم كأفلام الحرب والسلام وقصة مدينتين وأحدب نوتردام وبائعة الخبز وذهب مع الريح، وغيرها الكثير من الأعمال السينمائية التي شكّلت كل واحدة منها منعطفاً هاماً في تاريخ السينما العالمية، بل وبعضها تم تناوله من خلال أكثر من سيناريو ورؤية إخراجية.

وكان السبب الأساس في نجاح هذه الأعمال السينمائية دوناً عن سواها اعتمادها على أعمال روائية، مع ما يعني ذلك من غنى درامي يتوفر عادةً في العمل الروائيّ الجيد، متشعب المَحاور الدرامية وغنيّ الشخصيات بمختلف وجوهها ومنابتها وأهوائها.
ولم تحد الدراما العربية كثيراً في السينما والتلفزيون عما ذهبت إليه الدراما السينمائية العالمية، فقد اعتمدت السينما العربية على قلم الروائي العربي فكنا في عقد السبعينيات على سبيل المثال على موعد مع تحويل نخبة النتاج الروائي العربي إلى أعمال سينمائية مازالت راسخة في الأذهان كالأفلام المقتبسة عن روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهما من أعمدة الرواية العربية، وكذا الأمر في سورية فقد شهد عقدا السبعينيات والثمانينيات تحويل أكثر من رواية للأديب حنا مينه إلى السينما، خاصة على يدي المخرج السينمائي الراحل محمد شاهين.
وفي التلفزيون لم يبتعد السيناريو التلفزيوني كثيراً عن الأدب الروائي السوري/ وإن بزخم أقل من السينما منذ أيام مسلسل “أسعد الوراق” في السبعينيات المقتبس عن رواية لصدقي إسماعيل بعنوان: “الله والفقر” مروراً بمسلسل “نهاية رجل شجاع” المقتبس عن رواية شهيرة لحنا مينه تحمل العنوان ذاته، وليس وصولاً إلى ما تبثه الشاشات العربية اليوم في شهر رمضان من أعمال درامية تلفزيونية مستندة على نصوص روائية محلية أو مترجمة كمسلسل “أيام لا تنسى” لأيمن زيدان عن رواية الأفغاني خالد الحسيني “ألف شمس مشرقة” ومسلسل “الندم” لليث حجو عن “عتبة الألم” لحسن سامي يوسف، وليس من قبيل المصادفة أن هذين العملين يستحوذان اليوم على أعلى نسب مشاهدة، ويعود الفضل جزئياً في ذلك على اعتمادهما على أعمال روائية قوية البنيان زاخرة بالشخصيات المركّبة، دون أن ننسى بالطبع قوة الإعداد التلفزيوني لهذه الأعمال ووجود كادر فني مبدع من مخرج وممثلين تمكنوا من صياغة أعمال تلفزيونية درامية من طراز رفيع.
إذاً، كانت الرواية وستبقى ورقة رابحة في يد الدراميين الذين يجيدون التعامل معها فنياً، حسب ضرورات العمل التليفزيوني الذي يحتم على العاملين فيه الانتقال من أدبية الرواية إلى درامية الصورة التلفزيونية، من خلال تقديم رواية تلفزيونية تقارب الجنس الروائي بشكل أو بآخر دون أن تكون نسخة مطابقة عنه، وهذا أمر مشروع لأن ضرورات التلفزيون تبيح المحظورات في كثير من الأحيان.
أمينة عباس