ثقافة

رامي حاج حسن شارك في الموسيقا التصويرية بارتجالات الطنبور لأول مرة

ارتجالات رامي حاج حسن لنغمات أوتار الطنبور كانت حدثاً مختلفاً بدخولها الموسيقا التصويرية لأول مرة في مسلسلي”عابرو الضباب” و”زوال” لتدخل إلى قلوب المشاهدين وتبوح بأسرار وأوجاع خفية، وهذا جزء من مشروع حسن الذي تبنى فلسفة الموسيقا الروحانية باتجاهها الصوفي من رؤيته الخاصة وعلاقته بالطنبور، التي ألّف على صوتها الرخيم مقطوعات تدعو إلى الإصغاء والتأمل مما قاده إلى تكوين فرقة “أرجوان” التي تُعنى بالموسيقا الروحانية، وقريباً سيصدر كتابه بعنوان “أسس علم المقامات الشرقية”.

ولم تستحوذ الموسيقا على روحه فقط، إذ أوجد تداخلاً بين الفنون من خلال الحروفيات وفنّ الإيبرو وتقهير الورق، لكن تبقى أوتار الطنبور صديقته المقربة إلى روحه.

الموسيقا الصوفية والدادوات
وللوقوف على تجربته الموسيقية التقت “البعث” الفنان رامي حاج حسن وبداية توقفنا معه عند آلة الطنبور وسبب تسميتها بصوت الأفلاك ودخولها عوالم الموسيقا الصوفية المنتشرة منذ القدم في سورية؟ فيقول:
<< جاءت هذه التسمية كونها مؤلفة من تا-ن -بور، فتحولت إلى اللغة العربية بطنبور وبقي اسمها في إيران وجنوب آسيا تان بور، وتا تعني اللغة والنا هي الفلك وبور الصوت في اللغة السومرية، والموسيقا الصوفية ظهرت نتيجة حالة دينية من خلال الأذكار التي كثُر وجودها في حلب، وفي بداية الحالة الفنية التي لم تشترك فيها آلات موسيقية انتشرت النوتات الغنائية وانطلقت من الزوايا والتكايا،ومن هنا نشأت الموسيقا الصوفية التي أخذت طابعاً روحانياً بين الخالق والمخلوق، وقد اختلفت من بلد إلى آخر حسب المعتقد، وترافقت طقوس معينة مع الموسيقا، ويعود ظهورها في بلاد الشام وسورية إلى أيام الاحتلال العثماني، واستمرت حتى الوقت الحالي وتكثر في رمضان وفي الاحتفالات بعيد المولد النبوي الشريف، وكان اعتمادهم على الأصوات من خلال الإنشاد آنذاك، وآلة الطنبور أضفت نوعاً من الجلال على الموسيقا الصوفية. وفي أمسياتي عن الموسيقا الصوفية -يتابع حاج حسن- عزفت شيئاً من التراث القديم لما يسمى “بالدادوات” وهم القائمون على الحالة الصوفية مثل عزيز ددا، صالح ددا.

التأليف الموسيقي وأرجوان
ومن الموسيقا الصوفية ذهبنا إلى تجربته في التأليف الموسيقي لعدة مقطوعات منها “نظرة –حلم أبيض- رقصة البنفسج” التي اعتمد فيها على المقامات الشرقية وفروعها، فسألته عن سبب قلة التجارب فيها، مقارنة بتجارب تأليف الموسيقا التصويرية بأنواعها؟ فأجاب:
<< مشكلتنا الحقيقية أن نعمل للموسيقا من أجل الموسيقا، وهذا يكاد يكون معدوماً، نحن نعمل موسيقا لأجل الغناء وليس للموسيقا الآلية، والموسيقا المجردة هي حالة تأملية توحي بتداعيات لصور متخيّلة أكبر بكثير من الغناء، لأن الإصغاء إلى الموسيقا يدفع المستمع إلى ترجمتها بناء على ثقافته، وهذا ينطبق على جميع الأنماط اللحنية، كما قال الفارابي: الموسيقا أنواع: المنفعلة، المتخيلة، المؤثرة وأيضاً الصادمة. وعن تجربته في التأليف تحدث: كانت كلها ملحنة على آلة الطنبور واللحن يكون على آلة واحدة والتوزيع على آلات، ففي مهرجان العزف المنفرد عزفت على آلة الطنبور فقط، أما في بقية الأمسيات انطلقت فرقة أرجوان بالتشاركية بيني وبين عازف الناي إبراهيم كدر، ثم توسعت بإدخال آلات غربية طوعت للحن الشرقي فتم التوزيع الموسيقي بين الطنبور والناي والتشيللو والإيقاع –الطار الفارسي-الدف الطبلة –الكاخون، والأكورديون، والمقطوعة الأخيرة التي ألّفتها كان عنوانها نظرة، وعزفتها على مسرح القباني كانت نوعاً من الفانتازيا الموسيقية وممكن في المستقبل إدخال البيانو والكونترباص والكمنجات. وتهدف الفرقة إلى عزف الموسيقا الجميلة ونعمل على إغناء الفكر الثقافي والارتقاء بالحالة الفنية وحالياً هي موسيقا آلية، وفي مرحلة قادمة ممكن استضافة مغنين لتقديم صورة مختلفة للغناء.

الطنبور في الدراما
الأمر الهام أن الفنان حاج حسن أول من أدخل آلة الطنبور لتشكيلة الموسيقا التصويرية، فارتجالاته باحت بأسرار وأوجاع تعيشها شخوص مسلسل “زوال” بدت بقوة في مشاهد العمل، فيتابع: شاركت مع صديقي الملحن والموزع الموسيقي آري سرحان عازف البزق، في مسلسل زوال، وقدمت ارتجالات لبعض التقاسيم، ارتبطت بمشاهد معينة وارتجالات مستوحاة من موسيقا الشارة عزفتها كصولو على الطنبور، وفي بعض المشاهد رافقت الفنان سلوم حداد وعبّرت عن شخصيته التي تمثل أحد المجاذيب، أما في مسلسل “عابرو الضباب” الذي كتب له الموسيقا إيهاب المرادني فوظفت نغمات الطنبور فيه بشكل مختلف تتبع لتجربة جديدة، وأوضح حاج حسن أن الموسيقا التصويرية تعبّر عن جميع الحالات الإنسانية التي نراها في المسلسل وفق رؤية المؤلف الموسيقي، وبعد هذه التجربة يطمح إلى وجود آلة الطنبور في الموسيقا التصويرية أسوة  بآلات العود والكمان والناي والبيانو الذي كثُر استخدامه في موسيقا الأفلام السينمائية، ويضيف “أوجه دعوة لتوظيف الطنبور لأن صوتها عجيب يشدنا إلى الطبيعة وفيه رخامة وعمق وتأمل، وأتمنى أن تدخل في الموسيقا التصويرية والروحانية والسيمفونيات أسوة بالعود الذي دخل في تشكيلتها، فمن الممكن دخول الطنبور لتشكيلة السيمفوني بمجالات معينة.

تداخل بين الفنون
ولم تقتصر اهتماماته على الموسيقا فقط فإضافة إلى تصميماته الهندسية أتقن فنّ الرسم على الماء، فأوجد تداخلاً بين جميع الفنون بدءاً من رسم الخط العربي إلى الرسم على الماء، وهو من الفنون المرافقة للخط العربي مثل فن التذهيب والزخرفة، فيقول عن الإيبرو: يرافق زخرفة الخط العربي، لكنني استخدمته كلوحات منفصلة بحدّ ذاتها لرسم الوجوه وأشكال تجريدية بعد أن  تضاف إلى الماء مواد معينة تشبه الطحالب، وفق تقنية خاصة فبعد الرسم على الماء نحضر ورقة خاصة للطباعة الفورية لتسحب الصورة، ومن ثم تخضع للمعالجة ثم أكتب فوقها حروفيات وعبارات، ومن خلال هذا الفنّ دخلت عالم تقهير الورق، وهو تحويل الورق من حالته المجردة إلى الحالة الفنية بإضافة مواد وألوان، يحوّله من ورق عادي إلى ورق فني يشبه ورق البردي القديم، وكتبت عليه من شعر الحلاج وقصائد تغزلت بدمشق وأخرى متفرقة إضافة إلى أقوال مأثورة.
وعلى صعيد نشر الثقافة الموسيقية ألّف رامي حاج حسن كتاباً بعنوان “أسس علم المقامات الشرقية” سيصدر عن دار الأسد للثقافة والفنون، وهو دراسة تحليلية معمقة عن المقامات الشرقية.

الفنّ في مواجهة الإرهاب
ودعا رامي حاج حسن إلى التوجه للفنّ بأنواعه، الفنّ الذي يهدئ الذات من الداخل، لاسيما أن هناك علاقة جدلية بين الحالة النفسية والثقافية وتطور المجتمع، خاصة في الظروف التي نعيشها الآن، فتاريخنا يشهد على أن سورية مهد الحضارات، وأن الفنان السوري فنان حيوي وديناميكي ومبدع في كل المجالات، وفي الاتجاه ذاته نحن بحاجة إلى رعاية من الحكومة حتى نبدع في بلدنا، فسورية هي الأم التي تمنح كل شيء.
ملده شويكاني