يومي الأول …كلمة واحتضان وتفاؤل
بخطوات مرتبكة خطوتها لأول مرة منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف باتجاه مكان -لم أكن أعلم حينها أنني سأحبه بجميع تفاصيله، وستربطني علاقة ود مع من فيه بل حتى أنه سيصبح مقصدي كل صباح، وشاغل أوقات نهاري-دخلته بعيون يملؤها الأمل والقلق في نفس الوقت، كيف لا وأنا أدخل مقر دار البعث، إحدى أهم الجرائد الرسمية الثلاث التي كان حلمنا خلال سنوات دراستنا في كلية الإعلام لا يتجاوز حدود زيارتها فقط! إلا أن ما قاطع قلقي واختصره إلى النصف هو ألفة تستقبلك بها أروقة الجريدة، وابتسامة معظم من يعمل فيها وشعور بالدفء يسري بداخلك لاغياً كل ارتباك ودهشة، وجاعلاً يومي الأول موفقاً إلى حد كبير فاليوم الأول لا ينسى، تماماً كما الحب الأول.
احتضنت الجريدة خبرتي المتواضعة في المجال العملي للصحافة المكتوبة التي لم تكن خلال سنواتي الأربع في كلية الإعلام محط اهتمامي، ولا حتى اهتمام الكلية نفسها، التي تُحَمِّلنا بعد انتهاء سنوات دراستنا “شهادات تخرج” لاتسمن ولا تغني من جوع في سوق العمل الحقيقية، وعلى الرغم من هذا فتحت هيئة تحرير جريدة البعث أبوابها أمامي وأمام كثير من الشباب الذين لا يملكون الخبرة، وكانت قاعة التحرير الحضن الذي احتضن خطواتي الأولى نحو كتابة خبر صحفي، ولم يبخل أي صحفي عتيق ومخضرم في الصحيفة بتقديم النصح لي، وإرشادي لتأسيس مادة صحفية جيدة دون إلغاء البصمة الخاصة بكل محرر، “فهوية المحرر وبصمته هما الداعمان الأساسيان لإنجاز مادة صحفية نوعية تستحق حمل اسمه”، سمعت هذه الجملة مراراً وتكراراً خلال اجتماعاتنا الدورية، التي تحرص هيئة التحرير من خلالها على إبقاء التواصل مع جميع المحررين والعاملين، والإطلاع على الملاحظات واقتراحات التطوير.
لقاعة تحرير جريدة البعث حكاية أخرى لها شجون، فلهيبتها حيز كبير لا يمكن أن تتجاهله، خاصة مع وجود أسماء وقامات صحفية كبيرة تشاركك المكان، وتحكي ملامح وجهها قصصاً وروايات وكواليس إصدار الجريدة، والجهود المبذولة من أجل الحصول على خبر دقيق وموثوق، وصولاَ إلى لحظة تجليه ورقياً وجعله متاحاً أمام القارئ، فكيف لا يكون الهدوء والتعلم واكتساب الخبرة هو الطريقة المثلى لاحترام تلك القامات التي لا يخفى تفانيها في العمل وحبها له على أحد.
ويكتسب الحديث لذة خاصة عند الوقوف لدى قسم الثقافة الذي أعمل فيه والذي أفضل تسميته بـ “أسرة الثقافة” لأننا لم نكن يوماً رغم اختلاف شخصياتنا إلا عائلة واحدة جميلة تشاركنا الهموم وتقاسمنا الأفراح، فكان فنجان القهوة الذي اعتدنا على ارتشافه سويةً كل صباح محملٌ بحب وحميمية وبأحاديث ثقافية أسست لمواد صحفية، لطالما رأيناها مجسدة في الصفحة الثقافية حسب تبويب الجريدة وهي “صفحتنا” التي أنتمي إليها ولكل من فيها بكل حب، حيث تدور الكلمات والأفكار فيما بيننا وتحمل نكهة الفائدة وتبادل المعلومات بطريقة جذابة وغير مباشرة، ولعل العلاقة الطيبة التي تجمعنا فيما بيننا وبين أقسام الجريدة الأخرى، هو ما يكرس لبصمة وهوية واحدة توحد بين الأهواء والميول المتعددة على صفحات الجريدة، ومع أن الصحافة المكتوبة سماء مفتوحة يسمح فيها بتحليق الكلمات كلها، إلا أن الكلمة المتفردة يشع بريقها فوق الغيوم، ولا يطفئها زحام الأوراق، هكذا ابتدأت جريدة البعث كلمتها الأولى –موفقة كما يومي الأول- وهكذا ستبقى.
لوردا فوزي