ثقافة

“الندم”.. دراما دس السم في العسل

مسلسل الندم للكاتب حسن سامي يوسف بتوقيع الليث حجو وإنتاج سما الفن, صُدّر للمشاهد حسب الأخبار الفنية على أنه قصة كاتب تلفزيوني يروي للمشاهد ما أصاب عائلته في فترة زمنية تمتد بين 2003 و2015, بينما في الواقع من تابع العمل يدرك من المقولة الأولى “قد أكون على خطأ, ولكن هذا لا يعني بعد أنك على صواب” أن القصة تروي حكاية وطن لكن من وجهة نظر واحدة, خاصة فيما كان يرويه “محمود نصر” شخصية عروة “لن تحصد القمح إن كنت زرعت شعيراً, ولن تحصد الشعير إن كنت قد زرعت شوكاً” مدعيا أن الحكاية ليست عن الحرب بل عن عائلته والنجاح والفشل, بينما ترافقه مناظر الحرب ودمار بعض الأبنية وصوت سيارات الإسعاف, تمر العدسة على صورة حواجز ورجال يرتدون بزات عسكرية, ثم يعود ليؤكد أن العمل عن سلطة الأب الذي عرفه المشاهد بلقب “الغول” الذي جعل أحد أبنائه يهاجر بسبب معاملته التي لم نشاهدها سيئة والصراع المفتعل الذي بحثنا عنه طوال ساعات العرض.

لكن كمشاهدين ألا يحق لنا لماذا رجل الدولة مدان بالمطلق, بدءاً بمشاهد الحلقة الأولى التي توحي بأن شخصية سليم “حسين عباس” رجل الشرطة لص, مروراً بالأشخاص الذين يقفون على الحاجز ويقومون بمغازلة الفتيات, والتلصص عليهن في منازلهن أو ملاحقتهن مستغلين سلطتهم على مفارق الطرق والحارات الدمشقية, ثم بالتعسف في اعتقال صهر عائلة الغول وشتم الأب, حتى في الحوارات التي دارت بين شخصية الكاتب والرائد في المشهد الذي جمعهم في أحد مطاعم دمشق، أراد الحوار تبرير أفعال ما أطلق عليهم “ناشطين إعلاميين” والذين اعتبرهم عروة أطفال ومن حقهم أن يطوروا أدواتهم بالشكل الذي يشاهدونه مناسباً لأنه زمنهم, بينما نجد الرائد يؤكد على إدانة رجل الأمن وليس الدفاع عنه خاصة حين ادعى أنه العدالة, وتبريره الاعتقال بأن نصف الأسماء تشبه النصف الأخر, وتأكيده على وجوب إراقة الدماء بحجة أن الوطن بخطر, الحوار الذي ينتهي بهروب الضابط من المواجهة, واستهتاره بقصة المثقف مطالباً إياه بكتابتها في عمل تلفزيوني, بينما يمنح العمل شخصية المثقف الدفاع عن وجهة نظره ساعة يشاء عبر مونولوجات مملة تؤكد أنه يدين ما يشاهده، لكنه يفضل الصمت حتى يضمن السلامة, بينما تقف باقي الأطراف تحت رحمة أحكامه بتغييب مقصود للرأي الآخر, إلا للفنان أيمن رضا “أبو العز” الذي يكمل لنا حدوتة التاجر المستغل عبدو “باسم ياخور” ليخبرنا أن بإمكانه أن يصل لمناصب حكومية حساسة، وشاهدنا كيف استطاع التصدي لسلطة الأب ومنعها من تأديبه أو النيل من خده, لكنه بالمقابل قبّل يدها وقدم لها الطاعة.
على خط آخر لماذا تكررت مشاهد الصلاة والوضوء وكأننا نتابع عملاً دينياً, الغول الأب متدين يرفض الفوائد التي تمنحها البنوك, لكن نجد التناقض في حصة ابنه سهيل المودعة داخل غرفة نومه بالعملة الصعبة, وفي شخصية عروة الذي يرفض المغريات والحرام وطابور الإناث الذي يحوم حوله, ونشاهد كلوز الكاميرا على خاتمه الفضي وهو يجلس ويحتسي البيرة في أحد مطاعم دمشق, بينما نجد غياب باقي النسيج السوري عن حكاية العمل. في المقابل هناك تبرئة لشخصية الكاتب النقي الطفل الذي ساهم بطيبته في تدمير الوطن من خلال وهب المال وسيارته لزوجته السابقة رزان “مرام علي” السيارة التي يسخّرها رجل الشرطة الفاسد للخطف وتهريب المواد للعصابات الإرهابية وأخيراً بيع السيارة لتفجيرها, ولا ندري في الحلقات القادمة إن كان الأمن سيلقي القبض على صاحب السيارة المفخخة، بحجة أن القانون لا يحمي المغفلين, أم أن الكاتب سيطلق سراح بطله كما برر أفعال وتغاضى عن أخرى بحرية كاملة؟.
بالطبع لا ننكر وجود هذه النماذج في مجتمعنا ويمكن الجزم أنها زادت في فترة الحرب بسبب الفوضى وغياب المحاسبة, لكن من غير المنطق تصدير هذه الصورة من خلال الدراما وفي كل مفاصل الدولة, الشرطي ورجل الأمن, ورجال الحواجز, وضباط ورؤساء الفروع الأمنية, لا يمكننا أن نتعامى كيف استطاع المال إبعاد عروة عن الاعتقال، لأن الزمان زمن التجار كما أخبرنا العمل, أو غض البصر عن صورة العلم السوالحاجز خلف العنصر المسيء, غير الحوارات التي ذكرناها والمونولوجات التي كان الكاتب يدين فيها من يريد على لسان عروة, بينما لم نشاهد إدانات واضحة للعصابات التي مرت على العمل مرور الكرام, حتى في المشاهد التي تم فيها ذكر قذائف الهاون لم يوجّه الراوي الاتهام إلى العصابات، بل ترك أصابع الاتهام تشير إلى الجميع, لا نستطيع إغفال نجاح العمل بما يتعلق في الحبكة والإخراج, وأداء الممثلين, لكن لا يمكننا قبول دس السم في العسل وقبول وجهة نظر واحدة تضلل المشاهد, مع تغييب الصوت الآخر الذي غيّبه الكاتب عن قصد، كما غيّبه الكثيرون سواء من المعارضة أو الموالاة, ومن حقنا أن نعرف من يحمي الوطن من وجهة نظر صناع العمل والمنتج؟!.

لؤي ماجد سلمان