في كتابه “قضايا راهنة للغة العربية” د. محمود السيد يفند مصطلح “العربيزي” ويبيّن مخاطره على لغتنا العربية
رفض الدكتور محمود السيد اللغة العربيزية التي انتشرت بين أوساط الشباب على الشابكة والهاتف المحمول، وانتقلت إلى الاستعمال التجاري والدعاية والإعلان، مبيّناً مخاطرها وآثارها السلبية على لغتنا العربية، ودعا إلى التمسك بلغتنا رمز هويتنا ووجودنا وما أسماه ب”ذاتيتنا الثقافية” في كتابه الجديد “قضايا راهنة للغة العربية” وأطلق مصطلح “التفكير المستنير” الذي يقف في وجه الفكر الظلامي المنافي لروح أمتنا، والذي نحتاج إليه ونحن نواجه الإرهاب على أرضنا. تضمن الكتاب أيضاً جملةً من القضايا الشائكة التي تشكّل خطراً على لغتنا العربية، وفي منحى آخر أفرد مساحة لجمالية لغتنا العربية وخصائصها وسماتها لاسيما أنه متبحر بعلومها.
اعتمد المؤلف بالدرجة الأولى على سمة التحليل والتفسير موثقاً ما توصل إليه بالإحصاءات والبيانات، وتميّز الكتاب بالبعد الثقافي من خلال تدوين أقوال الفلاسفة والعلماء مثل الفيلسوف الإنكليزي”جون لوك” والفرنسي “كوندباك”إضافة إلى المستشرقين مثل الإيطالي كارل لينو، كما تضمن أقوال شخصيات أثّرت في الحياة مثل غاندي. وامتلك المؤلف القدرة على الإقناع بلغته السلسة خاصة بفصول تعزيز استخدام التقانة في العملية التعليمية للغتنا العربية.
الأمر الهام أن د. السيد ألحق بالفصول جملة من التوصيات والاقتراحات مستوحاة من عمله في مجمع اللغة العربية، وكونه رئيس لجنة تمكين اللغة العربية، نتمنى أن تطبق على أرض الواقع. ولم يخلُ الكتاب من أشعار العرب التي يحفظها، منها ما قاله بدوي الجبل:
والكون في أسراره وكنوزه للفكر لا لوغىً ولا لسلاح
التفكير المستنير
الوظيفة ال”ماوراء لغوية” التي ترمي إلى تعرّف ما وراء السطور وإدراك الغايات البعيدة التي يرمي إليها الكاتبون أو المتحدثون، كانت بين أنواع وظائف اللغة التي ركز عليها د. السيد في الفصل الأول”اللغة والتفكير المستنير”، ليتوقف عند العلاقة بين اللغة والتفكير، وصولاً إلى التفكير الإبداعي المكوّن من مجموعة من القدرات، منها الطلاقة والمرونة والأصالة والقدرة على الإحساس بالمشكلات وتحديدها، والتحرر من الجمود التقليدي في التفكير من أجل الوصول إلى حلول فريدة، ولم يكتف د. السيد بشرح التفكير الإبداعي، وإنما حلل العلاقة بين رسالة المرسل وانتقالها إلى المرسل إليه من خلال تفسير التفكير المستنير من حيث المبنى، ويتسم بوضوح الفكرة في ذهن المرسل كاتباً كان أو متحدثاً، ومن حيث المعنى هو الفكر الذي يغذي العقل والوجدان، ليتوصل المؤلف إلى نتيجة بأن الفكر المستنير هو الذي ينأى عن الشحنات الانفعالية في الألفاظ والتراكيب المستخدمة، ويحترم الرأي الآخر. ويرى د. السيد أننا في هذا الوقت في أمس الحاجة إلى هذا الفكر المستنير بعد أن انتشر الفكر التكفيري الظلامي المنافي لروح أمتنا، والمتنكر لقيمها ومثلها في الحق والخير والجمال.
التلاقح الثقافي
وأوضح د. السيد بأن اللغة العربية هي إحدى اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة، إضافة إلى أن عدد المتكلمين بها يصل إلى 450مليوناً يعيشون في الوطن العربي وبلاد الاغتراب. والأمر الملفت الذي تطرق إليه المؤلف في الفصل الثاني”عالمية اللغة العربية” أن للعربية تأثيراً في ثماني لغات عالمية هي: الإسبانية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والتركية والفارسية والأندونيسية، وامتد تأثيرها بما أسماه “بالتلاقح الثقافي” إلى المالطية والسواحلية والأمازيغية والكردية والأوردية واليونانية والروسية واليوغسلافية، موضحاً أنه حتى اللغات الاصطناعية (الاسبرانتو) تحتوي على مفردات ذات أصل عربي. وأفرد مساحة كبيرة بيّن فيها تأثر اللغات بالعربية في بعض المفردات مثل كلمة (سلطان) في الألمانية، وفاتورة في الإيطالية.
زيادة المحتوى الرقمي
كما توقف عند الاهتمام العالمي بالمحتوى الرقمي العربي من خلال وجود المواقع، إذ يوجد في أمريكا أكثر من خمسة وعشرين موقعاً يُعنى بالمحتوى الرقمي بالعربية، وما يزيد على عشرة مواقع في بريطانيا، وأشاد المؤلف بانتشار الإعلام الإلكتروني بالعربية من خلال المطبوعات والإذاعات والقنوات الفضائية، فاحتلت العربية المرتبة الرابعة بعد الإنكليزية والفرنسية والروسية. وأضاف المؤلف أن من المعايير التي تستعمل في قياس وزن اللغات نسبة خصوبة المجتمع المستعمل للغة المدروسة، وتحظى العربية بمكانة خاصة في نفوس المسلمين عرباً كانوا أو غيرهم لممارسة الشعائر الدينية بها. وقد صمدت العربية وواجهت كل التحديات وتميّزت بعرف حضاري زاخر وثراء قلّ نظيره، وأوصلها القرآن الكريم إلى أعلى درجات البيان والإتقان وهو الإعجاز.
الانسجام الصوتي
ومن القضايا الهامة التي أثارها المؤلف أيضاً هي اتساع المدرج الصوتي فيها بانفرادها بحروف لاتوجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والغين والحاء والطاء والقاف، وهذه الميزة جعلتها تستغني عن تمثيل الحرف الواحد بحرفين متلاحقين، إضافة إلى الانسجام الصوتي بين الحروف المتقاربة مثل التاء والثاء، والحاء والخاء، وأشار المؤلف إلى خاصية أصوات اللغة العربية التي تجعل متكلّمها يستطيع أن يلفظ أصوات كل اللغات، وتابع في بحر خصائصها مثل اتساع مفرداتها والدقة في التعبير والإيجاز في كلماتها وتراكيبها مثل شكراً، وأسماء الأفعال مثل هيهات، والنقطة الهامة أن حرفاً واحداً يعبّر عن معنى جملة تامة مثل -ع،وف،وق -وهي أفعال أمر من الفعل وعى ووفى ووقى، وأهم خصائصها الإعراب الذي يوضح المعنى. وأكد المؤلف ما توصل إليه بالإشادة باللغة العربية من قبل المستشرقين كما قال المستشرق الإيطالي كارل نلينو:”اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها”.
مخاطر العربيزي
المصطلح الهام الذي نبذه المؤلف ودعا إلى رفضه في الفصل الثالث ب” العربيزي ظاهرة خطرة على لغتنا العربية” ليشغل المحور الأساسي للكتاب برمته نظراً لخطورته على اللغة العربية،فالعربيزية أو الأرابيش، هي كلمة منحوتة من كلمتي إنكليش وأربك، وثمة من أطلق عليها (الفرانكو آراب) وهناك من وصفها باللغة الفيسبوكية- وهي لغة غير رسمية ظهرت منذ سنوات عدة، يستخدمها الشباب في الكتابة عبر الدردشة على مواقع الشابكة (الإنترنيت) وتختلط فيها الأحرف اللاتينية بالأرقام، وهي لغة هجينة بين اللغة العربية والإنكليزية وغير محدودة القواعد، وقد يكون النص عربياً مكتوباً بأبجدية إنكليزية وأشكال ورسوم وعلامات ترقيم، وقد يتضمن مزيجاً لغوياً من العامية والفصيحة والإنكليزية.
لغة الكرشنة والاختصارات
وسُميت أيضاً بلغة الكرشنة وهي كتابة جمل لغة ما بأحرف لأبجدية أخرى لتسهيل الكتابة على لوحة مفاتيح لاتينية، وأصل الكلمة من كلمة كرشوني وهي الكتابة العربية بأحرف سريانية، وكما أورد المؤلف بدأت هذه اللغة عبر الشابكة والهاتف المحمول، وانتقلت إلى الاستعمال التجاري والدعاية الإعلامية، وشقت طريقها إلى النظام التعليمي وهي لغة جديدة ليس لها أيّ قواعد، وتشهد يومياً تعبيرات واختصارات جديدة بطريقة تشبه الشيفرة، وتكتب العربيزي باللغة الدارجة مع اختصارات متعارف عليها باللاتيني الإنكليزي مثل: “برب” وهي اختصار لسأرجع أو سأعود قريباً، -ولول- أي اضحك بصوت عال، وتابع د. السيد تفسير المصطلح بالتوقف أيضا عند ملمح تعبيري خاص يجسد حالة شعورية مثل (ههههههههههه) للضحك ،و(مممممم) وتعني أنا محتار، ورسم القلوب للتعبير عن الحبّ، و(حخخخخ ) للسخرية.
جزء من المؤامرة
ويعود المؤلف في الفصل ذاته إلى وجود العربيزية نتيجة السيطرة العثمانية ومن ثم الاحتلال الفرنسي، كما أوضح آراء المناصرين لها بأنها تتماشى مع طبيعة العصر، من حيث السرعة والإيجاز والمزج والمرونة والسرية، فيما يرى المعارضون لها أنها تعزز وجود الأخطاء النحوية والكتابة باللهجة المحلية وكثرة استخدام المفردات الأعجمية وتفشي الأخطاء الفادحة، ويخلص د. السيد إلى أنها جزء من المؤامرة التاريخية على الحضارة العربية متوقفاً عند المحاولات التي تحدّ منها، مثل مبادرات شركة غوغل ومؤسسة الفكر العربي، ولجنة التمكين للغة العربية في سورية، إضافة إلى إسهامات الجمعية الوطنية السورية للمعلوماتية، والأمر المثير وجود بعض المبادرات الشخصية مثل ما قامت به المخرجة الأردنية داليا الكوري إذ إنها أخرجت فيلماً عن ظاهرة العربيزي.
استخدام التقانة في لغتنا
تطرق المؤلف أيضاً في الفصول التالية إلى ضرورة استخدام التقانة في تعليم اللغة من خلال الرزم التعليمية والمختبرات اللغوية مبيّناً أهمية التعليم الإلكتروني في تعليم اللغة، وأهمية تدريس العلوم الصحية باللغة العربية لقدرتها على مواكبة لغة العصر، وضرورة التمسك بها كونها اللغة الموحَّدة والموحدة، والاستثمار في اللغة العربية لأنها اللغة الوطنية في الدول العربية، والاستثمار في اللغة الوطنية يعني الاستثمار في توطين الصناعة والتجارة والتقنية والمعارف المختلفة، ولا يتحقق أيّ نجاح إلا بإتقان اللغة الوطنية وتوظيفها وتفعيلها في جميع المجالات .
الكتاب صادر عم وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في “256” من القطع الكبير.
ملده شويكاني