ثقافة

الواقع بتناقضاته تعكسه مرآة دراما هذا العام

وسط هذا الكم الكبير من الإنتاج كان من الصعب على المشاهد متابعة كل مايعرض بسبب كثافة الأعمال أولاً، وتشابه موضوعاتها وممثليها ثانياً، فالموضوعات على درجة من التشابه بحيث أن المشاهد قد يضيع في معرفة عنوان العمل على محطة ما في حال كانت شارة العمل قد انتهت.

إذا أحصينا الأعمال التي تتناول موضوع المخدرات ومافيات الفساد نراها تحضر في أكثر من أربعة أو خمسة أعمال، تتناول هذه القضايا مع فارق بسيط ربما يتجلى في فكرة تختلف مابين عمل وآخر. وفي جولة على دراما هذا العام نرى طغيان الطابع الاجتماعي على هذه الأعمال وهذا دليل صحة، فالمتغير في حياتنا هو الذي يجب التركيز عليه، وهذا لا يمكن التعامل معه إلا بنص اجتماعي يحمل رؤية معاصرة، والمعاصرة لا تعني حالة “المودرن” التي نتمثلها في لباسنا وحديثنا وأننا أولاد هذا الزمن، بل المعاصرة هي محاولة السعي للإمساك بعصر اللحظة الاجتماعية ومحاولة تشخيص عيوبنا وأوجاعنا، خاصة وأن الحرب التي نعانيها منذ سنوات ست كانت محور الأعمال الدرامية في المواسم السابقة، مما جعل المشاهد ينفر منها، ويهرب إلى أعمال أخرى ربما لاتلبي تطلعاته وطموحه في موضوعاتها، لكنها تبعده عن أجواء البؤس والدمار التي خلفتها الحرب، وما يُحسب لدراما هذا العام، أنها طرحت موضوعاتها على خلفية النتائج التي خلفّتها الحرب وانعكاسها على الناس في كل المجالات، فمهمة الدراما تشخيص الداء والإشارة إليه وتوصيفه، والسؤال الذي يحضر هنا هل استطاعت الدراما أن تكون مرآة للناس يرون أنفسهم من خلالها، وتكون خطوة في مشروع ثقافي تنويري تمثل الدراما جزءاً هاماً فيه، رغم ضيق هامش الحرية الذي تتعامل في إطاره بحكم دخولها لكل المنازل، وتنوع الشرائح التي تشاهد هذه الأعمال. وحتى نكون منصفين من خلال ما يعرض هذا العام نرى محاولة جادة من قبل كتّابها لتلمس الطريق بما تتضمنه هذه الأعمال من إنسانية وواقعية في تناولها، وهذا أمر يدعو للتفاؤل أن هناك شيئاً واعداً يؤسس لمستقبل جيد، فالدور الأول للدراما هو وضع المرآة أمام المجتمع، ودراما هذا العام عكست هذا الدور بشكل لابأس به  في العديد من أعمالها، حيث ابتعدت عن التطرق إلى الماضي سواء القريب أو البعيد، وهذا يعني أن المرآة وضعت في مكانها الصحيح.
بالمقابل فقد تضمنت دراما هذا العام، جرعة عالية من العنف الذي قد يستخدمه بعض المنتجين لتسويق أعمالهم عبر أسلوب التشويق، ولو أن الفن ليس تصويراً للواقع حتى لو كان يحمل الكثير من العنف، بل الفن لغة الدلالات والإيحاءات ويمكن إيجاد حل فني يوصل الرسالة بلغة فنية، فالعنف لا يمكن أن يكون عنصر تشويق بل على العكس قد يكون عنصر نفور، إذا لم يكن وجوده مبرراً وموظفاً توظيفاً يخدم الفكرة المراد طرحها، فوجود ظاهرة العنف في الدراما يعود إلى أمرين اثنين قد يتجلى الأول بالإجماع على أن مرآة الدراما تعكس العنف على صفحتها، وأن مجتمعنا يتحول نحو شيء من العنف ربما بسبب الحاجة، أو الضجر، أو انعدام الأمل، وهذا مؤشر لخطر يهددنا ويهدد مجتمعنا، وربما يكون هناك أمر آخر لطغيان العنف هو أن شيئاً انعكس علينا باللاوعي، هو ما نشاهده على شاشات التلفزيون من عنف غير طبيعي بسبب الحروب والاقتتالات التي تتعرض لها الشعوب، لكن بكل الأحوال هذا نذير خطر يجب الالتفات إليه. كذلك ما لمسناه من طرح لظواهر اجتماعية سلبية عبر الأعمال الدرامية لهذا الموسم –سنتناولها في  مقالات مستقلة، لأهمية طرحها ومعالجتها، هذه الظواهر تمثل دليلاً واضحاً على سوء الحالة الاجتماعية والنفسية التي يعيشها مجتمعنا، الذي بحكم الأزمات المتعددة التي طرأت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة غيّرت مسار تفكيره واهتماماته، واختلفت فيها معاييره الأخلاقية والقيمية تحت مسمى الحداثة الأمر الذي يطرح مجموعة كبيرة من الأسئلة الجوهرية التي طرحتها دراما هذا العام بكثير من الجرأة قد تستمر لمواسم درامية قادمة.
سلوى عباس