قليلاً من الحرص على.. الصورة
في الوقت الذي تناقضت الردود وتباينت آراء متابعي الأعمال الدرامية التي عرضت على الشاشة الصغيرة خلال الموسم الرمضاني الحالي، وتفاوتت نسبة الرضا والقبول لنجم هنا أو عمل بأكمله هناك، بينما يتابع القائمون على تلك الأعمال التبرير أو الدفاع عنها على اعتبار أو اقتناع، أنها تحمل نضجاً ورسالة تليق بالمرحلة الزمنية التي نعمل على تجاوز سلبياتها بكل السبل.رغم ذلك فإن المشاهد الذي يمتلك عين الرقابة بمعناها الإيجابي، إذ بات العالم مفتوحاً ومتاحاً وغير قابل للرقابة التقليدية المرفوضة؛ لا بد أن يلحظ بعضاً من الأفكار أو ما يمكن تسميته “السم المدسوس في العسل” والذي يمكن لمن يمتلك شيئاً من الوعي والإدراك، والقادر على التحليل والتأويل والإسقاط، وبغض النظر أن إجماعاً واضحاً، على اعتبار أن مسلسلات سورية صرفة “كالندم وأيام لا تنسى” هي أعمال حظيت برضا كبير من المشاهدين، بينما تباينت قبولها لبقية العروض، والأمر ليس قضيتنا الآن؛ إلا أن ملاحظة واحدة ربما مرّت مرور الكرام، أو أنه بات من المسلمات من قبل القائمين أو العاملين على الدراما غير عابئين؛ بأن ما يعرض له دوره في التأسيس لما هو قادم من الزمان، ويتناول صورة الإنسان السوري “المنتمي إلى هذه الأرض محور الصراع الحالي” والصورة التي تقدم حالياً في الدراما المسماة أعمالاً عربية مشتركة، والتي بات حضورها يحظى بشعبية وقبول ونسبة مشاهدة كبيرة، كونها تتناول مسائل وقضايا تهم شرائح عديدة تحيا على امتداد عالمنا العربي.
هذا الإصرار على تقديم تلك الشخصية والتي تتحدث بلهجة محددة تشير إلى بقعة بعينها وهي السوري الجنسية، إذ غالباً ما تأتي في هيئة المحتال أو النصاب؛ المجرم القاتل؛ أو أنها في أفضل الأحوال إن جاز التعبير الشخصية المهزوزة الجبانة والسلبية، التي ترتضي المشاركة في عملية نصب هنا أو احتيال هناك، أو أنها تقبل التواطؤ للإيقاع بالأبرياء، ذلك بحجة “ويا عارنا” أن البعض يطلب من الحياة مجرد إمكانية العيش فقط”.
الطبيب المذعور
هل مضى وقت طويل حتى نتحدث عن الصورة المسيئة في “الإخوة” أم نركز على ما قدمه مسلسل “سمرا” الذي تضافرت كل الظروف كي يحظى بأوسع انتشار وأعلى نسبة مشاهدة عربياً قبل رمضان الحالي، والذي تحدثت فيه الصحف عن نجومية “بمقاييس الزمن الحالي” تحققت لنادين نجيم، والمسلسل الذي تناول قضية شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني لا زالت تقيم في المخيمات المنتشرة في شرقي المنطقة، وهم الغجر أو النور الذين يعتاشون من خلال ممارستهم بعض المهن البسيطة المتاحة، أو من خلال فنون شعبية تتقنها الفتيات؛ يتم عرضها في شوارع العاصمة بيروت، أو أعمال الخدمة التي تتيح لهم العيش في بلد لا يمنحهم الهوية ولا يتمتعون بجنسيته، المسلسل إلى جانب قضيته الرئيسية، أضاء بشكل جلي على قضية السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية بصفة لاجئين “لجوء من الوطن إلى الوطن” وذلك من خلال طبيب أدى دوره الممثل محمد حداقي الذي يغادر إلى لبنان للتعاون مع منظمة أطباء حول العالم على أمل العودة للعمل في الوطن، تلتحق به عائلته لتشكل عبئاً ثقيلاً عليه، العائلة ظهرت بأقصى حالات البؤس فاقدي الحيلة أقرب إلى الذل، وبينما تعوّل في بقائها في البلد، على الطبيب المتعلم الواعي، نفاجأ به أقرب إلى الجبان المذعور، وهي صفات بالتأكيد لا تؤهله للعمل مع منظمة مهمة أفرادها الرئيسية التصدي للعمل في أقسى الظروف؛ وفي مناطق تعتبر الأكثر عنفاً، إذ بدا مكسوراً غير قادر على التصرف، أمام زملائه وزوجته التي كانت في قمة الإنسانية والتعاطف والقبول بظروف أقرب إلى السيئة.
النصاب المحترف
الطامة الكبرى أتت مؤخراً ومن خلال الأعمال المشتركة أيضاً في مسلسل “نص يوم” الذي يحكي عن الثري “ميار” أدى دوره الفنان تيم حسن، والذي يتم الاحتيال عليه من قبل فتاة الميتم الحسناء ميساء “نادين نجيم” وشريكها جابر “أويس مخللاتي” والاثنان عاشا في ميتم على الأراضي اللبنانية، يخرجا إلى الحياة ليمتهنا النصب والاحتيال ومحاولة الانتقام من رعاتهم في الميتم، وفي المسلسل أيضاً يتم التركيز على تقديم الشخصية الأكثر دموية وسلبية بشخص “جابر” الذي أدى الدور ببراعة وعلى أكمل وجه “وزيادة” خصوصاً من خلال المبالغة في استخدام اللهجة الواضحة والدالّة، فكان المحتال الجشع الذي يستسهل القتل في سبيل الحصول على حاجاته، بينما والأكثر إمعاناً في دعم الصورة تلك هي شخصية “ميرفت” التي أدت دورها الممثلة اللبنانية “دينا حايك” التي استخدمت اللهجة الشامية وهي تمثل بالطبع الجانب السلبي كفتاة ترتاد الملهى بانتظار دور لها في عملية نصب هنا أو هناك.
رب قائل أن المجتمع السوري كسواه من المجتمعات البشرية، مزيج متعدد؛ واسع يضم أطيافاً عديدة من المكونات المجتمعية، لكن المنطق يقول أن يتم تقديم تلك المكونات في بيئتها ومن خلال قصص تتناول تلك البيئة بالتحديد، كي تكون صورة حقيقية وطبيعية لمجتمع محدد كما بقية المجتمعات على اختلاف انتماءاتها الجغرافية، لا أن يتم التركيز على تقديم الجانب السلبي دائماً على صورة “السوري” الهارب من أتون الحرب المفروضة عليه.
بالتأكيد لا بد أن ذلك يثير الاستغراب والاستنكار ويطرح السؤال الطبيعي: أتراها جميعها مصادفات، أم أنها محاولة لتعميم صورة مشوهة مرفوضة لم تمثلنا يوماً؛ ولن تكون أبداً.
بشرى الحكيم