ثقافة

ظلال مارقة.. وغيوم فارغة

كلما تضاءلت معرفتنا، كان نقدنا اشدّ فجاجة، وأكثر جهلاً، فابتلاع الذباب لا يضرّ، لكنه قد يضرب الشّهية، ويعكرّ المزاج.
هكذا هو النقد الذي لا يهدف إلّا إلى هدم ما حوله، دون أن يقترح حلولاً، أو يقدّم خططاً بديلة.
قد يمرً في حياتنا، نحن الأدباء، نقّاداً يحسبون الأرض لن تدور إلّا بأقلامهم, ويحسبون الأفكار والرؤى التي يحملونها أفكاراً عبقرية ورؤى مبدعة، وهم في حقيقة أمرهم  ليسوا إلا ظلالاً مارقة، وغيوماً فارغة.. أشجارهم أغصان بلا ثمار وكلامهم دخان بلا نار, يُعمي البصر، ويخنق الرّئة. (وان كان هنالك عظمة للمبدع، ناقداً كان أو أديباً أو فناناً، فهي عظمة قلبه لا يده، فاليد لا تستطيع أن تفعل أكثر مما يُوحي به القلب..) إن النّقاد الحقيقيون، مثلهم مثل الحكماء في الأرض (إنهم كالنّجوم في السماء، مَن تركها ضلّ، ومن غابت عنه تحيّر..) إن العسل طيبّ ونافع بشرط ألاّ يُخلط معه الخلّ والبصل، وهكذا يبدو لي كلام بعض النّقاد, يبقى طيبّاً ومفيداً إذا لم تخالطه كلمات مريضة، هدفها خلخلة البناء وهدمه!.
إن نقد البعض لضوء الشمس أو مدحها، لن ينقص أو يزيد من ضوئها ولهيبها، فليس كل عضّة مميتة، ولا كل لسعة قاتلة، ولا كل قلم مستقيم يكتب بالضرورة نقداً مستقيماً، فالحديد سيبقى حديداً وإن غلّفناه بالخشب, والفلين من طبعه العوم وإن أثقلناه بالفولاذ، والمبدع الحقيقي، لا يضرّه النّقد السّليم، ولن يتوقّف قلمه عن الإبداع لمجرد سماعه نعيب غراب، أو نعيق بوم، أو نقيق ضفدع، فمهما اشتدّت العواصف لن تستطيع أن تطفئ ضوء النجوم، ومهما علا صوت الضفدع لن ترى أبعد من المستنقع الذي ولدت فيه!.
Souheil-alchaar@hotmail.com