ثقافة

“الصحافة” الاستقصائية في الدراما السورية

لطالما كانت الصحافة الاستقصائية مطلوبة لرصد ظواهر اجتماعية تنعكس سلباً على المجتمع، ولايخفى على أحد الجهد الذي يحتاجه هذا النوع من الصحافة من قبل الصحفي الذي ينتهج هذا النوع الصحفي المتعب والممتع بآن معاً، والأمر الأهم أنها بحاجة لمعايشة كل الحالات عن قرب لتقديم المعلومات بكامل الدقة.

كان للدراما السورية نصيب من هذا العمل الصحفي الصعب، عندما خبّأت الصحفية بثينة عوض آلتي التسجيل والتصوير الخاصتين بها لتسجل قصصاً مثيرة ومشوقة من قصر العدل إلى جمعيات المبرة وصولاً إلى عدد كبير من المؤسسات الرسمية في مسلسلها “نساء من هذا الزمن” (من تأليفها وإخراج أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج شركة قبنض)، استطاعت وقتها إنجاز تحقيقات استقصائية من خلال تجارب ومشاهدات دقيقة استمرت لسنوات جعلت “عوض” تدرك أنّه يمكن تصنيعها بشكل حكائي واستثمار شخصيات كثيرة وغنية التقتها، وأحداث وثّقتها في نص درامي غني ومحكم. في الواقع، وثقت عوض ذلك الجهد الطويل لتنجز عملاً يغوص في مشاكل وهموم النساء، ويدخل عالمهن السري ليتحدث عن قضايا تطرح للمرة الأولى في الدراما السورية، ويكون أوّل مسلسل يعتمد على التحقيقات الصحافية. ولم تتوقف كاتبة العمل عند هذا الحد، فقد أدركت بحكم عملها في الصحافة أهمية محاربة قضايا الفساد المعقدة، فأعادت المحاولة في تقديم الصحافة الاستقصائية من خلال عمل تم عرضه في الموسم 2016 “دومينو” (تأليفها بالاشتراك مع غسان عقلة وإخراج فادي سليم، ويبدأ العمل في كشف “لارا” “سلافة معمار” لقضايا فساد زوجها “نوح” “بسام كوسا” وسرقة كل ملفاته، لكن القدر لم يقف إلى جانبها بل جعلها ملقاةً على قارعة الطريق دون أي إنقاذ من أحد باستثناء الشاب “طارق” الذي يعمل في استثمار الكنز الذي عثر عليه “ملفات الفساد” عبر الابتزاز وتسريبها تدريجياً للإعلام. في الواقع، عملت بثينة عوض في هذا العمل على الترويج من جديد لضرورة التعامل مع الصحافة الاستقصائية من خلال “مها” “علا الباشا” الصحفية الشابة النشيطة في عملها، والتي تجمعها علاقة حب مع طارق “سامر إسماعيل”، لتجد نفسها أمام قضية تخص الرأي العام، وتتورط بها دون قصد, وتدخل لعبة الدومينو في أحداث مثيرة.
أيضاً نشهد حالة أخرى من العمل الصحفي الاستقصائي، حيث تقف الصحفية والمذيعة سماح “سلاف فواخرجي” في مسلسل “أحمر” (تأليف علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج جود سعيد)، لتقدم لنا العمل الصحفي بطريقة مختلفة، وذلك من خلال جريمة قتل أحد القضاة تحدث في حارتها، فتحاول كشف القضية، ساعيةً لتحقيق سبق صحفي مميز بمعرفة الحقائق وملابسات الموضوع، وتقديمه عبر برنامجها الخاص في إذاعة “شمرا إف أم”. في الحقيقة، كان دور “سماح” من أهم الأدوار في العمل فقد عملت جاهدة على تعرية الفساد بصوتها وكلمتها ولو على حساب حياتها الشخصية.
في الواقع، كان للصحافة الاستقصائية نصيب لا بأس به من دراما 2016، حتى أنها لم تنج من لوحات “بقعة ضوء 12” الذي عرض في إحدى لوحاته هذا النوع من الصحافة ولكن بطريقة ساخرة جداً، فبعد محاولات كثيرة تقف “دانة جبر” الصحفية أمام رب عملها “فادي صبيح” عاجزة عن فهم ما يريده في البرنامج الجديد الذي سيعرضه، وغير قادرة على تنفيذ أي فكرة يمكن أن تؤذي أحد المسؤولين أو إحدى الشركات لأنه أمر ممنوع، كما تقف حائرة أمام مديرها، الذي يصعب عليه حتى لفظ أحرف “صحافة استقصائية” لأنها –برأيه كلمة صعبة اللفظ لغاية هذه اللحظة- فهو غير مدرك مدى أهميتها سوى أنها يمكن أن تكون عبارة تجلب المتاعب له ولشركته، لينتهي بها المطاف إلى مذيعة “عادية” تستمع لطلبات ورغبات الجمهور في إهداء الأغاني.
في الحقيقة، نرى عبر الموسم الفائت محاولات محترفة وجديدة لصحافيات حاولن تقديم احترافية عالية في عالم الصحافة فيتجاوزن كل أنواع الخوف بهدف البحث عن الحقيقة، وهذا الأمر قد يساعد الدراما السورية في وضع قدمها على طريق جديد يوثق الحدث بعيداً عن المبالغة أو المغالاة أو إدارة الظهر لأي أزمة يمكن أن تعترض طريق البناء الاجتماعي، لكن يبقى السؤال حاضراً: إلى أي مدى يمكن تقبل هذا النوع من الصحافة الاستقصائية في مجتمع يمكن القول أنه بأمس الحاجة اليوم إليها، خاصة في ظل هذه الحرب؟.
جُمان بركات