ثقافة

استثمار مع وقف التنفيذ

جلال نديم صالح
في زيارتي الأولى لبيت التراث الدمشقي قبل سنوات، فوجئت بأن كثراً ممن يجاورون ذلك المكان لايعرفون عنه شيئاً، وأنا هنا أتحدث عن سكان دمشق. ولو سألنا العديد من القاطنين في دمشق من المحافظات الأخرى، عن الأماكن الأثرية في دمشق لكانت النتيجة، مخيبة للظنون، حيث الغالبية لايعرفون عنها شيئاً، وربما لايحبون أن يعرفوا.
وبالعودة إلى بيت التراث فقد صدر قبل سنوات مرسوم بتعديل تسمية المكان من متحف مدينة دمشق إلى بيت التراث الدمشقي، وكان الهدف حينها  أن يكون المكان مقراً للنشاطات الثقافية التراثية التي تتعلق بإحياء التراث الدمشقي خصوصاً، والسوري بشكل عام. لكن المتابع لغالبية النشاطات الثقافية على اختلافها، يدرك أن ما تغيّر هو التسمية فقط، وأن المكان بقي على حاله، وهذا الأمر  ينطبق على أماكن أثرية أخرى تتوزع في مدينة دمشق، وهي ليست بالقليلة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يتم رسمياً إلى اليوم تبني السياسة التي تمكننا من الاستفادة الفعلية مما لدينا؟ ولماذا لم  نفعّل تلك الأماكن  بالشكل الأمثل  والذي يليق بقيمتها الحضارية والتاريخية؟.
الدليل المؤكد الذي لايمكن إخفاؤه هو العدد المحدود والخجول لنشاط يقام هنا أو هناك وفي المناسبات فقط، بدل أن يكون المكان الأثري عاملاً فاعلاً في الحراك الثقافي القائم، بحيث لايغدو مجرد أثر يقتصر دوره على مجرد العرض أمام الزوار، كمكان يعبّر عن طراز معماري أو فني يشير إلى الماضي فقط، بل أن يعبّر أيضا عن الحاضر والمستقبل، بأن يكون مقراً دائماً للنشاطات الثقافية من أمسيات فنية وندوات ومحاضرات ومعارض، بحيث أننا نستثمر المكان بالشكل الأمثل، ونعرّف الناس به وبأهميته، دون أن نحمّل أنفسنا أعباء إضافية، ومزيداً من النفقات لطباعة كتيبات أو بروشورات، وربما إعلانات وبرامج ثقافية، لأن حفظ المكان الأثري لا يكون بإقفال أبوابه وفتحها في المناسبات فقط، بل بأن تقام فيه الفعاليات والنشاطات التي تعيد إليه ألقه ورونقه ودوره الحضاري.