الدراما وتأثيرها على الأسرة والمجتمع
تدخل الأعمال الفنية وخاصة التلفزيونية البيوت دون استئذان، ولا يمكن أن ننكر ما تسهم به هذه الأعمال الدرامية من تأثيرات إيجابية، أهمها الجانب الثقافي والمعرفي، ودورها في تنمية الخيال، وتقديم مضمون هادف ومفيد، لكن الخطورة تكمن -في غالبية الأعمال الدرامية- بما تقدمه من نماذج يمكن للكثير من الشباب والصغار والمراهقين أن يعتبروها قدوة ومثلاً أعلى، فهي نماذج -غالباً- تجري وراء التقليد الغربي، والموضة بالإضافة إلى قيم غير مرغوب بها في المجتمع السوري، لذلك لا يمكن حجب تأثيرها السلبي عليهم، وبالتالي لا يمكن تفادي جلوس الأهل معهم أثناء العرض والإقناع بأنها مجرد تمثيل.
في الواقع، باتت الدراما اليوم رفيق أفراد الأسرة جميعاً، وبعد انتهاء الموسم الدرامي لهذا العام الذي أثار جدلاً واسعاً في الساحة الفنية، نظراً إلى ما تضمنه من إيحاءات وألفاظ دخيلة على الدراما التي شكلت أو ستشكل نوعاً خطيراً من الغزو الفكري للشباب والمجتمع، وستؤثر على التفكير والسلوك، حيث أصبحت تلامس كافة شرائح المجتمع خصوصاً جيل الشباب الأكثر تأثراً، فقد تطورت وأصبحت قادرة أن تنمي لديهم (سواء كانوا شباباً أو صغاراً أو مراهقين) الرغبة الدائمة في الاستقلال، وتساهم -اليوم- في نشر مفاهيم مغلوطة عن الحرية، وتعليمهم كيفية مواجهة الضغوط بما لا يتناسب مع ثقافة وقيم المجتمع السوري.
لقد أضحت المسلسلات التلفزيونية أفضل وسيلة –بحكم أنها ضيفة على كل البيوت والأسر- لنشر ثقافة وأخلاق وعادات المجتمع وقيمه، فهي تتمتع بنسبة مشاهدة عالية، خاصة ضمن الأسرة الواحدة حيث أصبح الجميع من الكبير إلى الصغير يتابعون نفس المسلسل دون تحديد للشريحة المستهدفة من قبل العمل، ويرافق ذلك في الكثير من الأحيان عدم وعي الأسرة لخطورة مايتابعه أطفالها، وما يروج فيه عبر مشاهد القتل والاغتصاب والعنف التي لاتحاكي الواقع فقط، بل تتجاوزه وتغالي فيه بغية الإثارة ولفت الانتباه، بالإضافة إلى بعض المشاهد التي تروّج لسلوكيات خاطئة كالتدخين والمشروبات الروحية، وهي لاتمر في العمل الدرامي مرور الكرام وإنما يُعتمد على التكرار مرة واثنتين وثلاث لتترسخ الفكرة في الوعي أكثر، وتصبح لدى الأطفال واليافعين بمثابة مغامرة تستحق التجربة بجدارة، خاصة بعد تغليفها بأسلوب جميل -لكن خطير- يكون دافعاً للتقليد، دون أن ننسى الصورة السلبية للمرأة السورية (سواء في البيئة الشامية أو الاجتماعية) التي كرستها بعض الأعمال، وساهمت في تعميقها لتبدو صورة غير مطابقة للمرأة السورية الحقيقية ومحفوظة في الذاكرة بهذه الصورة القبيحة، بالإضافة إلى قيم العنتريات والعنف التي بتنا نشاهدها اليوم، والتي روجت لها بعض الأعمال أيضاً، وهناك منحى يسير في ذات الاتجاه هو تحول بعض الأعمال للنمط الغربي كعصابات منظمة ومافيات وقيم فردية وانتهازية يغدو بها المجرم بطلاً، والطيب ضحية، كل ذلك يمرر تحت مسمى “التشويق والإثارة”، ويعتبرها البعض أحد عوامل جذب المشاهد، فإلى أي مدى تناسب تلك الأعمال وما يطرح فيها قيمنا وثقافتنا؟ وإلى أي مدى يمكن تقبلها ضمن مجتمعنا؟.
الحقيقة يجب على الدراما احترام عقل المشاهد، ومهمتها الإضاءة على بعض المشكلات والظواهر السلبية في المجتمع، وأحياناً محاولات في تقديم الحلول أو كيفية معالجة المشكلة بما لا يتعارض مع معايير منظومتي الأخلاق والقيم، لذلك تُفرض عليها شروط لا بد الالتزام بها وعدم التنازل عنها، وما قد يصلح للسينما ليس شرطاً على الإطلاق أن يصلح للدراما التلفزيونية، فهي لم تعد أداة ترفيهية فقط، على العكس تماماً يجب أن يكون لأي عمل رسالة اجتماعية واضحة، وحتى الكوميديا يجب أن تكون هادفة، فما قيمة أي عمل درامي أو كوميدي من دون هدف أو رسالة اجتماعية؟.
في النهاية، أصبح شهر رمضان موسماً سنوياً يتبارى فيه المنتجون وكتّاب السيناريو في تقديم أفضل ما لديهم خلال هذا المهرجان بهدف تسويق المنتج الدرامي بغض النظر عن مضمون العمل، ولا يمكن القول أن حرية الدراما غير مطلوبة، كما لايمكن لأحد أن يكون وصياً على الإبداع، لكن المطلوب من صناع الدراما استغلال هامش الحرية هذه في تعزيز دور الفرد في المجتمع بتقديم أفكار وطروحات تدخل في تشكيل الوعي، وبناء بنية ثقافية يؤثر فيها، ويحدد طبيعتها إلى درجة كبيرة وليس العكس. وبما أن الدراما سلاح ذو حدين، فهل نعي الدرس وتكون أعمالنا الدرامية القادمة أداة لبناء وتعزيز القيم النبيلة التي بتنا اليوم نفتقد الكثير منها في حياتنا وسلوكياتنا؟.
جُمان بركات