ثقافة

“التركيز” كشف أساليب الاحتيال بالإيحاءات والاستغلال العاطفي

لامكان للحبّ لامكان للسعادة في حياة الأشخاص الذين يمارسون عمليات الاحتيال الكبيرة وفق ما يسمى”بمقامرة الكبار” لكن رسالة الفيلم في المشهد الأخير غيّرت هذه المقولة لتنتصر المشاعر الوجدانية، وتتفوق رومانسية الحبّ على إغراءات الأموال المسروقة.

هذا المحور الأساسي لفيلم”التركيز” الذي عُرض في الأوبرا ضمن مهرجان أفلام حديثة جداً، ويقوم على إيضاح قوة الدماغ البشري في التركيز على شيء واحد للحصول عليه، إضافة إلى استدراج اللاوعي بالإيحاءات لتحقيق الهدف الذي استخدم في أساليب الاحتيال والسرقة، يتوازى هذا المحور مع محور التلاعب بالرابط العاطفي، لكن المفاجأة المدهشة جاءت في المشهد الأخير لتغيّر كل هذه المفاهيم. ويأتي الفيلم بتوقيع المخرجين غلين فيكارا، وجون ريكيوا، وقد نجحا في الواقعية السينمائية الممتزجة بملامح الرومانسية والتأثير الموسيقي بإثارة الجمهور بالاعتماد بالمشهد الحاسم على تقنية الاسترجاع والمواجهة التي أنهت تقاطع خطوط الجريمة والسرقة والحبّ.
مضت الأحداث في أماكن تتميز بالثراء الفاحش في الفنادق الضخمة والملاعب العالمية والنوادي الليلية التي يقامر بها الكبار وتتم فيها عمليات الاحتيال في المدينة الكبرى نيو أوليانزا في ولاية لويزانا في أمريكا، لتنتقل الأحداث فيما بعد إلى بيونس آيريس، إضافة إلى تصوير الطقوس الشعبية المتبعة أثناء الاحتفالات الرياضية. وفي منحى آخر غير مباشر يكشف تلاشي العلاقة الأبوية إزاء المال ظاهرياً، وبالإشارة الخفية إلى الفوارق التي مازالت قائمة بين البيض والزنوج من خلال هذه العلاقة، لاسيما أن نيكي من الزنوج ووالده من البيض، لتلتقي كل الأحداث. لكن ذكاء المخرجَين توجه نحو توظيف أداء الممثلين الأبطال إذ جسد -ويل سميث- دور المحتال الكبير ” نيكي” الذي يتعاون مع “جيس” الفتاة الفاتنة ساحرة النظرات- مارجوت روبي- المبتدئة بعمليات الاحتيال، فيعلمها نيكي أساليب الاحتيال من خلال القدرة على التركيز وإرسال رسائل خفية من الدماغ البشري إلى الطرف الآخر، لتتسرع حركة الكاميرا في تصوير تلك الأساليب التي تعتمد على السرعة بالحركة في السرقة، لتنضم إلى فريقه وتستعد لتنفيذ العملية الكبرى التي كانت بداية لعملية أكبر يفاجئنا بها السياق الدرامي.
ورغم جمال مارجوت روبي ونظراتها المثيرة إلا أنها لم تستطع أن تتفوق على أداء ويل سميث-نيكي- الذي استحوذ على إعجاب المشاهدين بأدائه الهادئ.
الإيحاء والإيقاع بالضحية
يتناول المخرج أسلوب التأثير بالإيحاءات وتوظيفها بعمليات الاحتيال عن طريق المراهنة على اللاعبين، فتنتقل الأحداث إلى  الملعب الكبير لبطولة نهائيات كرة القدم لكأس الولايات المتحدة الأمريكية، فيدخل الأحداث المقامر”لي يووان تسي” لتتم عمليات تعرف بمقامرة الكبار، فيوهمه نيكي بالربح عليه حتى يصل إلى الرهان على مليوني دولار لاختياره رقم اللاعب الذي تنجح جيس باختياره وهو رقم 55، لأن اللاعب شريك نيكي وفي الوقت ذاته هو صديق جيس الذي تثق به، يأخذ نيكي الأموال وفي مشهد الاعتراف بالسيارة يفصح عن السرّ الذي يقوم بالإيحاء للضحية عن طريق اللاوعي بالرقم، منذ دخوله الفندق بوضع إشارة الرقم 55 ابتداء من البطاقة التي يضعها الحارس عند الباب، إلى الوشم الذي يزين جسد مرافقته، إلى الأغنية التي يسمعها في الملعب، إلى اللافتات التي يحملها المقربون منه في الملعب، فيقع أسير الإيحاءات ويختار الرقم  55 معتقداً أن حدسه يوجهه.
فجأة يتغير مسار الأحداث ليطلق المخرج المفاجأة الأولى فبعد علاقة حبّ رومانسية تجمع بين نيكي وجيس أثناء العمل، يسلمها حصتها من النقود وينزل من السيارة ويطلب من السائق إيصالها إلى المطار بقوله:”لقد أبليت بلاء حسناً”.
استغلال الرابط العاطفي
المسألة الثانية التي تطرق إليها المخرج هي استغلال الرابط العاطفي حينما تنتقل الأحداث إلى بيونس آيرس في الأرجنتين أثناء سباق السيارات العالمي”مرسيدس بنز” ليطلق المخرج مفاجأته الثانية، بظهور جيس الجميلة برفقة رافايل غاريغا الملياردير العالمي صاحب إحدى الفرق المشاركة، مما يثير غضب نيكي وغيرته الشديدة لأنه يقع بحبها، ولا يريد الاعتراف لذاته بذلك لأنه لامكان للحب في مهنته، ينجح نيكي في استغلال الرابط العاطفي بمحاولة التأثير على جيس واسترجاع علاقتهما العاطفية ليوقع بها من جديد وبعد محاولات تعود إليه ليهديها القلادة التي من خلالها ينفذ أكبر عملية احتيال قام بها، إذ يستخدمه رافاييل لإقناع الفريق الخصم ببرنامج نظام يبطئ من سرعة سيارات السباق، لكن احتيال نيكي جعله يحصل على شيفرة النظام من التقاط كلمة المرور من خلال القلادة ويبيعها لكل الفرق.
انتصار رومانسية الحبّ
في المشهد الحاسم بعد إلقاء القبض على نيكي وجيس من قبل رجال رافايل وتقييدهما، وإزاء الضغط على أنف جيس لاختناقها من قبل رافايل يعترف نيكي بكيفية حصوله على شيفرة النظام من خلال القلادة التي أهداها إلى جيس دون معرفتها لالتقاط كلمة المرور لحساب رافايل، ويعترف باستغلال الرابط العاطفي بينهما لتنفيذ العملية، فيطلق المخرج مفاجأته الأخيرة باعتراف جيس بأنها ليست حبيبة رافايل، وإنما كانت تحاول التقرب منه لسرقة ساعته الثمينة.جمالية الفيلم التي شدت المشاهدين تفجرت مع مشهد القتل وإطلاق النار على نيكي من قبل أبيه الذي اتضح أنه شريكه، لكنه ينقذه بمعلوماته الطبية وبوضع المكبس المعدني في صدره ليستمر بالتنفس مسوغاً ما فعله بإثارة الذعر ليهرب رافايل وينقذهما، يأخذ الأب المال لتدخل جيس مع نيكي إلى المشفى لتنتصر رومانسية الحبّ على عمليات الاحتيال التي لامكان فيها للحبّ.
ملده شويكاني