ثقافةصحيفة البعث

كلام فنّي للتذكير

رائد خليل

الكاريكاتور ريشة حرة في عالم مستلب.. 

لعلّ أصعب حالة يعيشها الفنان هي توصيف واقع الحال السياسي الذي تواجهه الإنسانية، والتركيز على الدور الوظيفي لفن الكاريكاتور التعبوي والتحريضي، والعمل على خلق حالة من الاندماج والمكاشفة في قضايا الشعوب والأمم، والانحياز لإنسانية الإنسان في وجه المظالم والحروب الاستباقية وأساليب القهر والعدوان بكلّ صوره وأشكاله. إذن، هي الرسالة المراد إيصالها إلى الناس وتوصيف الواقع المعاش بكل حذافيره، والكشف عن أغلب الجوانب الإنسانية والعلاقات البشرية المشوّهة أحياناً، وبذلك يصير نجاح الكاريكاتور رهناً بوصول الفكرة إلى المتلقي على اختلاف طرق التعبير وأدوات الفنان الخاصة.

سورية في عيون رسامي الكاريكاتور 

نؤمن دائماً أنّ فنان الكاريكاتور في عالمنا، الذي تحاول الإمبريالية والصهيونية فيه تهديم قيمة الإنسان وقتل ضميره الأخلاقي، لا يزال واحداً من المدافعين بحرارة عن هذه القيم والمتشبثين بها، ويتقدم صفوف العاملين في سبيل نصرة الحق والخير والجمال. وستبقى نظرة فنان الكاريكاتور نقية وعصيّة على تأثير الحملة الإعلامية الأمريكية والصهيونية الشرسة التي تحاول تشويه حقيقة سورية والإساءة إلى عدالة مواقفها.. وهنا، أثبت معرض سورية الدولي للكاريكاتور السنوي الذي يستضيف مئات الرسامين العالميين من عشرات الدول دوره في خلق معادلة جديدة لا تخلو من الاستقطاب وتوضيح الرؤيا تجاه سورية وما عصف بها من حروب ومؤامرات كونية.

بعض الرسامين العالميين أدركوا دور هذه البقعة الجغرافية في العالم، وعرفوا كيف يستخدمون منابرهم وأحبارهم النقية في رسم وجه الحقيقة التي حاول بعضهم رشّه بماء النار.

الثقافة وجمر القول

دائماً ننشد الأمل ونناشده.. ونؤمن بهذا القول: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”.. إذن، هو الحلم. نعم، بالحلم نقلب المفاهيم النمطية ونغيّر معادلتها، ونفتح الأبواب، ونستحوذ على مفاتيح الأفق. بالحلم، نغيّر دائرة التفكير في الواقع ونحلّق في فضاء أرحب.

مرة سئل أحد الجنرالات في حرب ضروس شرسة تخوضها بلاده ضد المستعمر: لماذا وضعت الكتّاب والفنانين والرسامين والموسيقيين في الخطوط الخلفية للجبهة؟

قال لهم: أخاف أن أفقد أحدهم وتصاب بلادنا بالقحط الثقافي والمعرفي.. فهم في الطليعة دائماً وأمتنا تعوّل عليهم.

تعددت المشاهد والسياسة واحدة

روى الروائي الإيطالي البرتو مورافيا أنّ موسوليني كان مغرماً بأساطيله الجوية والبحرية وبجيوشه الكبيرة ويفاخر بها على الدوام. وقد زرته بناءً على دعوته لتناول القهوة معه، فقضيت معه ساعتين وهو يحدثني عن عظمة طاقاته الحربية، ثم أشار إلى لوحة فوق مكتبه عليها مجموعة أزرار، وقال لي بلهجته الخطابية المعهودة:

إن ضغطت على هذا الزر، تحرك أسطول بحر الأدرياتيك، وإن ضغطت على هذا الزر، حلّقت الطائرات فوق منطقة المغرب العربي، وإن ضغطت على هذا الزر، تحرّكت الجيوش في الحبشة، وإن ضغطت على هذا الزر… وهنا قاطعته، وكنت قد انتظرت طويلاً وصول القهوة، وقلت: ولكن أي زر تضغط يا سيادة الرئيس لتطلب فنجاناً من القهوة.

لعلّ القصة تندرج في الإطار الكوميدي والمشاهد الكاريكاتورية التي تُلهِم المتابع ليخطّ من معين قراءاته السياسية رؤى ساخرة بطريقة مرنة أقرب ما تكون إلى التحريض تارة، وإلى التبشير تارة أخرى.

إذن، صراعات متواصلة، وحروب لا تنتهي، ولكن، يبقى ما بين رجل السياسة ورسّام الكاريكاتور معادلة لا تسامح فيها ولا تحمّل.

فالكاريكاتور الآن يعيش عصره الذهبي بسبب الانتشار الواسع والسريع، وقد عزّز رساموه وجودهم وسلطتهم رغم رياح التغيير والاتجاهات التي تعصف بالعالم من كشفهم للسلبيات وتأثيرهم الواضح في الناس، وكلّ ذلك عن طريق البارومتر الذي يقيسون فيه درجات الظلم والاضطهاد.

ولعلّ ما رسمه مارتن لوثر المصلح الديني الألماني، أوائل القرن التاسع عشر، مثال على ذلك، وأثناء الحرب العالمية الثانية وُضِعَ رسام الكاريكاتور البريطاني دافيد لو على لائحة أعداء النازية، لأن رسومه كانت تغيظ هتلر، وفي وقتنا الحاضر الأمثلة كثيرة جداً، وكما يقال إنّ الحبل على الجرار.

ولعلّ المشهد الأخير الذي كتب به الصحفي العراقي منتظر الزيدي نهاية بوش، جعل رسامي الكاريكاتور يسرحون ويمرحون في تنويع الخطوط والأفكار على مساحات البوح وهوامشه، ورغم تكرار الحالات المطروحة، يبقى المشهد للذكرى والتاريخ معاً.

أخيراً، يبدو أن اختراقات رسام الكاريكاتور للموانع الآنية ونقل الواقع وخلفياته إلى صورة واضحة المعالم على نحو مرئي، يُظهِر اشــمئزاز بعض رجال الســياسة في العالم وقلقهم الدائم من النقد “الكاريكاتوري”.. فنلاحظ في بعض الدول الأوربية أنّ رجال السياسة يشعرون بالتفوق والتميّز عند ظهور صورهم في رسوم كاريكاتورية، وإحساسهم بالفشل يكون بتجاهلهم.