ثقافة

علي يونس معلا غانم.. نَجْم لا يعرف الأفول

إن من المتفق عليه بين نقاد الأدب أن فن السيرة الذاتية هو أحدث الأجناس الأدبية في الأدب العالمي، بيد أن تاريخ السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث لا يختلف عن تاريخ الأجناس السردية الأخرى.
لو عدنا قليلًا إلى تاريخ هذا الفن لوجدنا أن أول من كتب فيه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه “الاعترافات”، وطه حسين في كتابه “الأيام” بجزأيه، وهي أشهر سيرة ذاتية في الأدب العربي المعاصر.
وقد صدر مؤخراً عن دار أمل للنشر كتاب “نائب الشعب.. علي يونس معلا غانم.. شخصية وطنية.. برؤية سياسية”، إعداد وتوثيق وتأليف الكاتب نزار علي يونس غانم، والمحامي نصر علي يونس غانم، مطرّزاً بالإهداء: إلى القائد المفدّى الدكتور بشار الأسد القائل: “لا أعتقد أن مصلحة أي شخص أن يقول عكس ما يقوله الشعب”.. وإلى روح الرئيس جمال عبد الناصر.
يستعرض التمهيد: إن صاحب السيرة “علي يونس معلا” خاض أعتى المعارك الانتخابية في ظل وجود اقطاع شرس، ورأس مال متوحش يديران تلك الانتخابات، وانتصر عليهما، ولم يقف عند حدود وطنه، بل اجتاز الحدود، وكانت مواقفه كلها معارك، من أجل الشعب والأمة، لأن القائد القدوة لم يكن يوماً ولن يكون طائفياً أو فئوياً أو عنصرياً، بل هو رجل أخلاقي شجاع، متجرد، ملتزم بقضايا وطنه وأمته.
المناضل الوحدوي “علي يونس” عاش لاجئاً يقبع في الغربة، يتجرع كأس الفراق واللوعة، يشده الشوق إلى الوطن، وجمال الوطن، وكانت داره في منفاه بالقاهرة قبلة لكل السوريين، فهو لم يتوان عن مساعدتهم، والتفاني في خدمتهم، ورعايتهم، وحل مشاكلهم.
وتؤكد– المقدمة- بقلم المحامي الدكتور “أحمد عمران الزاوي” الذي وصفه: إنه “-زعيم شعبي جداً- لم يحصر نشاطه في “منطقة”، ولا “طائفة”، ولا “عشيرة”، بل كان صديقاً للجميع يدور، كما قال رسول الله (ص): يدور مع الحق حيث دار، ويحل حيث حل، فهو سليل عائلة عريقة امتدت جذورها في الزمن، ديناً وعلماً وكرماً وشهامة، وجده لأمه الشيخ سليمان الأحمد عظيم العصر، ويتيم الدهر، وعضو المجمع العلمي، وخاله “بدوي الجبل” ملك القوافي، وصاحب القصائد التي علقها الدهر في عنقه إلى يوم يبعثون، لكنه تجاوز كل هؤلاء، فقد وهبه الله طبيعة شعبية كانت جواز سفر مفتوح إلى الشعب، طوائف، ومذاهب، وعشائر، وكانت مجالسه تتسع لهذا الخليط الذي يوحّد بينه الانتماء، إلى هذا الشخص الذي انبثق من الظلام، مثلما ينبثق الشهاب، ونشر أشعته على السهول والجبال والوديان دون تفريق”.
وتستند سيرة علي يونس إلى عدد كبير من الوثائق بأنه تحمّل التشرد والإقصاء والمنفى، وعاش العزلة مدة تقارب العشرين عاماً، لجأ إلى مصر عبد الناصر، وعاش الكفاف والبعد، لكن ذلك لم يكن غير ثمن ضئيل لاعتقاده الوحدوي الراسخ، وما هذا ببعيد عما قدمه الباحث الأستاذ “عبد الكريم قميرة” في النائب الراحل “علي يونس معلا غانم”، وأورد بشهادته الموثقة: “اتصف الراحل بأخلاق رفيعة، وتواضع جم، وسلوك عال، واندفاع شديد لخدمة أي مواطن أياً كان انتماؤه الحزبي، أو العائلي، أو المذهبي، أو الطائفي، ولم يملك ثروة أو مالاً، بل بقي متوسط الحال، لكن رفيع المقام، عظيم القيمة، شديد التأثير في قضايا مجتمعه، وعالي الجاه بين مواطنيه”.
وأكد المحامي “غسان أحمد عثمان” أن المناضل أحد الرموز الكبيرة في محافظة طرطوس التي يبدأ بها الوطني، وينتهي إليها المستقبل: “إن علي يونس كان الجندي الذي عزف عن الدنيا، وهجر رغيف الخبز، وتصوّف في حب أمته، وظلّ كذلك لم يساوم، ولم يسقط كما سقط الكثيرون، وكان ثمن ذلك غالياً من الحرمان والغياب”،  والمتنبي يدعم خلاصة ما انتهت قراءتي إليه:
وإذا كانت النفوسُ كِباراً              تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ
وعليه، تختلف النّفس البشرية من إنسان إلى آخر، وتتفاوت في تفكيرها بين عظيمة لا ترضى بالقليل، وبين أخرى رضيت بالدون، وفي السياسة كما في الحياة يسكن الداء والدواء، والحياة مسرح، ولكل منا دور فيه، فإذا لم يكن لك دور به كنت زائداً عليه، وإذا لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً على الدنيا.
الأسلوب الذي اختاره الأديبان “نزار علي يونس، ونصر علي يونس”، هو أسلوب مخاطبة النفس بالعبارات الوطنية السورية الملأى بالحرارة الإنسانية، والقومية بعيداً عن الأسلوب الجاف، الحيادي، ومراهنتهما على ما بقي في النفس العربية السورية الأبية هو الذي يبرر ذلك.
يلزمنا  الآن نحن السوريين تحمّل المسؤولية القومية والوطنية، وامتلاك رؤية  سياسية وحدوية منطقية لعروبتنا، وبمقدار ما لدينا من إيمان سوري، واعتقاد، ولياقة سياسية، يمكننا دعم رسالة سوريتنا بالمنطق الوجداني، والوجودي الفكري، لأن الجيل القادم والحاضر بحاجة إلى قوة مقاومة عظيمة كقوة الجيش العربي السوري لمواجهة الهجوم الفكري الإرهابي.
يجب أن تنبعث هذه القوة المقاومة من ذات الجيل البعثي المقاوم، الجيل الذي يمكنه أن يبين ذاته، ويجدد ولادته، ويطرد من داخله الأمراض الأخلاقية، والقوالب الوهابية التكفيرية، والأوثان الفكرية التي عقّدت قدرتنا الفكرية، وإحساسنا، وخنقت قدرتنا العقلية، وعطّلت منطقنا، وإيماننا بعروبتنا، ورؤيتنا الكونية.
العودة إلى الذات السورية، وبناء الذات البعثية المقاومة، هما الوجهان لعنوان فلسفة البعث عند الشخصية الوطنية “علي يونس معلا غانم”، وهو يحللهما وفق منظوره النفسي الاجتماعي، ويرى أن منطلق العودة إلى الذات هو الذات المقاومة.
من هنا كان يجب أن أشير في هذا المقام إلى وجهين، وأنا وجهاً لوجه أمام شخصية وطنية: الوجه الأول: أنا أعتز بسيرة بهذا الحجم والثراء والتنوع والإبداع والامتاع والرؤيا والكشف والتوثيق، فقد مثّل رؤية سياسية تحكي سيرة الإنسان والفكر ومعراجهما.
الوجه الثاني: لقد خاض بحراً من النضال الوطني، وقف الأديبان (نزار علي يونس غانم، ونصر علي يونس غانم) على شواطئه، ويحق لنا نحن السوريين أن نفتخر بمنارة وطنية بحجم “علي يونس معلا غانم، منح الحلم العربي جواز عبور للإنسانية انطلاقاً من سورية قلب العروبة النابض متوهجاً بشمس الفلسفة السورية، فأصبح النجم الذي لا يعرف الأفول.
أحلام غانم