ثقافة

“خوابي الكلام” للدكتور حسين جمعة..مِشكاةُ الخيالِ المتكِئةِ على الواقع

في ديوانه “خوابي الكلام” يطلق د. حسين جمعة سهامه باتجاهٍ محدد؛ يشنّ من خلاله حملته كما جاء في المقدمة: “على أولئك المقصرين، أو المتنكرين للمواقف المبدئية الخلقية والوطنية” آملاً أن تعزز كلماته أصالة الخلق النبيل الذي يتصف به المبدعون القادرون على الوفاء، يستصرخهم في أولى القصائد “أنا ومن حولي” فيقول:
لعمركَ ما ضاقت حياة عزاءَ        ولا هدّها دمع يفيضُ بكاءَ
ولكن أخبارَ الذينَ نُحبّهــــــــمْ        أَتتْ دونَ ما نَبتَغيهِ رَجاءَ
ثم يلتفت إلى العابثين بأمن الوطن والمضللين لائماً؛ إذ يقول في قصيدته “وضاع الوطن” ص 43:
بذلَ الجُدودُ دماءهم            صاروا رُموزَ السّؤدُدِ
صـــانـــوا الحياةَ أمانةً           وهبــــــوا الأَمانيَ باليدِ
حتّى أتيتَ مُغاضِــــــــباً          وهَدمْتَ بــــــــابَ المَعبـــــــَدِ
يُدين عبرها كل سلوك شاذّ أو مُضلل، وكل خائن غادر ابتلى به الوطن، لكنه برغم ذلك فإن “جمعة” يستدرك في مقدمة ديوانه التي أتت بقلمه، ويشرح أنه لا يود لمجموعة الأشعار هذه الواردة في ثنايا الديوان، أن تكون عبارة عن “رسالة خُلُقية” إذ على أهمية هذا الجانب؛ فإن الخوابي مازالت مليئة بالمشاعر الفياضة بالجمال والصور المتخيلة، بالأحاسيس التي تعددت مناهلها، فهاهو يستعيد ذكرى رحيل الأم في قصيدته “الكون نزف دائم”:
حَشرَجَت روحُ، فاضَت العينُ مِنَي        أيُّ فَقــــْدٍ أمــــــي القلوبَ بكاءَ
يالعَيْنيــــــها فــــارَقـــــــَت فـــــــــــي إِباءِ         يا ليَومٍ، أَصلى الحياةَ عَناءَ!
ثم يعرّج على مدينة “حمصَ” الأثيرة عنده، يخصها بقصيدة “حمص صانعة الإبداع” ص 69 فيقول:
أعظِم بحِمصٍ إذ هَدَتني مَوْقفا       صدقَتْ وعوداً فهي أوفى مَنْ وَفَى
كَم شاقَني أنّي رَضعتُ أصالةً           وثقافةً صاغَتْ كتاباً قد شَفَى
ولا ينسى أنّ للشّام مقامها؛ يَفيها حقّها؛ إذ يقول فيها “الشام جنتي” ص 111:
مـن لَم يَبت في ربوَةِ من روضِها          لم يَعرفِ العَيش الرضيَّ نظاما
إذ أيَ يـــــومٍ مــــــــــن نعيمِ مسائِها          يربـــــــــــــي على دهرٍ زَهَا بَسَّاما
ثم يلتفت إلى الجواهري يناجيه؛ وفاءً لقامة شعرية كبيرة فيقول في قصيدته “إليك يا قلعة الشعر” ص 89:
قد قُمت فينا على وعدٍ تباركنا             تُهدي المحبّة تَفدي كلّ مُحترم
أذهَلـــتَ رَهطاً تُراني لستُ أذكرهم           عاشوا لكَيدٍ عظيمِ، زِيدَ بالنقم
لم تنسَ ذِكراً لأهلِ الشامِ مفتخــــراً            هُمُ الإباءُ بدار العُربِ والعَجَم
الشاعر الدكتور حسين جمعة في ديوانه الذي أتى معتمداً الشعر العمودي وبه جسّد رؤى روحه المتدفقة بالعديد من المشاعر، وفاءً للوطن للتراب والمدن الحبيبة إلى قلبه، للمبدعين السابقين والمعاصرين، للأحبة الراحلين، ثم لم ينسَ أن يترك للروح أن تكون على سجيتها؛ فتبوح بالدفين من المشاعر والأحاسيس.
“خوابي الكلام” الصادر عم دار الشعب في دمشق، أتى متضمناً 23 قصيدة عمودية قدم الشاعر لها بقلمه، عبر 182 صفحة من القطع المتوسط مذيلة بسيرة ثقافية خاصة به.
جدير بالذكر أن الديوان هو السادس بين مجموعة دواوين الشاعر، من ضمن مجموع إصدارات بلغت الـ 43؛ تراوحت بين دراسات وأبحاث في الشعر الجاهلي وقراءات في أدب العصر الأموي، جماليات الكلمة، ودراسات في مشروع القومية العربية وإلى أين وصلت، وقضايا الفكر السياسي والقومي، ثقافة المقاومة، بينما تناول الأحداث الحالية في كتابه “الأزمة السورية وثقافة التكفير الإرهابي” الذي صدر في العام 2015.
بشرى الحكيم