ثقافة

“فرح الطفولة”.. المسرح أحد خيارات أطفالنا في العيد

لأن العيد لا يكتمل ولا يكون عيداً إلا إذا ارتسم الفرح على وجوه الاطفال وحلّت البهجة في قلوبهم أكد أ.بسام ناصر مدير مسرح الطفل والعرائس في مديرية المسارح والموسيقا في حواره مع “البعث” أن مديرية المسارح كانت حريصة على إقامة مهرجان فرح الطفولة وهو تظاهرة عروض مسرحية خلال عيد الأضحى بهدف أن يكون المسرح أحد خيارات أطفالنا في فترة العيد، إضافة إلى رغبتها في إدخال الفرح والسعادة إلى قلوبهم وهم الذين يعيشون أسوأ الظروف، مبيناً ناصر أن أطفالنا بحاجة لأكثر من مهرجان لنعوِّض لهم ما سلبته الحرب من حياتهم، وبالتالي وقع الاختيار على أربعة عروض توزعت بين مجمّع دمّر الثقافي ومسرح القباني ومسرح العرائس وحديقة تشرين، حيث لكل عمل خصوصيته، وبالتالي سيجد كل عمل منهم جمهوره في فترة العيد التي يحتاج فيها طفلنا إلى كل ما يجدد حياته، وهذا ما تحاول مديرية المسارح تأمينه لطفلنا، لا سيما أنه فرضت عليه الكثير من القيود والخيارات القليلة، منوهاً إلى أن كل ما يُقدَّم لأطفالنا وهم يعانون ما يعانون قليل، لذلك يجب أن تتعاون كل المؤسسات المعنية لترميم ما يمكن ترميمه في حياة ونفسية أطفالنا الذين يستحقون منا كل العناية والاهتمام.

الحاجة إلى المسرح
ولأن أمل سورية اليوم أطفالها، والعيد فرصة لرفع ذوق الطفل يشارك د.سمير عثمان الباش مخرجاً بهذه التظاهرة من خلال مسرحية “من يوقظ الشمس” وقبل أن يتحدث عن مسرحيته بيَّن الباش أن طقوس العيد لدينا شحيحة وخيارات الطفل محدودة، فـإما أن يذهب إلى الأراجيح البائسة أو مع الأهل في زيارة، وفي أحسن الحالات قد يذهب إلى الحديقة، ومنذ اليوم الثاني يشعر الطفل بالملل، بينما لديه طاقة هائلة، لذلك تكثر الحوادث المؤسفة في العيد وتُلاحَظ حالات تسيّب بعض الأولاد في الشوارع وهم يحملون مسدساتهم البلاستيكية التي يطلقون حشواتها المطاطية على بعضهم أو على أهداف أخرى مثل زجاج النوافذ أو مصابيح الشوارع.. ومن هنا تأتي برأيه أهمية فكرة إدخال المسرح إلى فرحة العيد من خلال المهرجان الذي يحقق لقاءً اجتماعياً جديداً ليس بين أسرتين أو ثلاث من الأقارب أو الأصدقاء، بل بين مئتي طفل تقريباً مع ذويهم في مكان رحب، لا يركضون فيه ولا يتصايحون، وإنما يستمعون إلى الأفكار، ويتعايشون مع الأحداث، ويتماهون مع الشخصيات الفنية التي ترحل بهم إلى عوالم جديدة في الواقع والخيال، فمتعة العقل والفرجة واللقاء المحترم يجتمعون في المسرح، مشيراً الباش إلى أن الحاجة تزداد في الظروف الحالية إلى المسرح ولا سيما مسرح الطفل لأسباب عديدة منها: الحدِّ من تأثير المظاهر والأخبار الدامية والتقوقع الأسريّ والمجتمعيّ على نفسية مواطن المستقبل، ولتنويع خيارات التسلية والتثقيف، فقبل الأزمة كان بالإمكان السفر إلى البحر أو إلى القرى وزيارة الأقارب في المدن والبلدات الأخرى وزيارة المعالم السياحية المختلفة، بينما اليوم لا يبرح معظم الناس حدود الحي الذي يعيشون فيه.

من يوقظ الشمس
يهدي الباش مسرحيته “من يوقظ الشمس” في هذا العيد لأطفال سورية، وهي المسرحية التي وجد نصها صدفةً عام 2005 في مسرح الدمى غولليفير في إحدى المدن الروسية فأحب فكرتها ودقة معالجة موضوعها والجو الشفاف الذي تجري فيه الأحداث، فترجم النص إلى العربية وعمل عليه مع الطلاب في مدرسة الفن المسرحي أكثر من مرة لأنه وجد فيه أيضاً مادة تدريبية هامة لطلاب التمثيل، فهو بسيط وعميق مثل الحياة.
وعن علاقته بمسرح الطفل يؤكد الباش أنها علاقة قديمة، فأول عمل طُلب منه إخراجه كان في سنة التخرج من أكاديمية الغيتيس المسرحية، وكانت مسرحية “ذات القبعة الحمراء” المعروفة لدينا بـ “ليلى والذئب” ولم يخفِ أنه تردد في البداية متكبّراً على مسرح الطفل، ثم قبل حين أقنع نفسه بضرورة خوض هذه التجربة ولا سيما أنها الأولى له مع ممثلين محترفين في أحد مسارح موسكو..وهكذا عمل فيما بعد في  المسارح الدرامية ونسي تلك التجربة إلى أن جاء عام 2006 حين طلب منه أحد الأصدقاء ترشيح عرض للأطفال من روسيا لدعوته إلى مدينة حمص حيث كان من المقرر إقامة مهرجان دولي لمسرح الطفل..هذه المهمة أجبرته على حضور عدد كبير من مسرحيات الأطفال في موسكو، وسافر أيضاً إلى مدينة بترسبورغ لرؤية بعض العروض، كما حضر مهرجانات، خاصة بمسرح الأطفال. وهكذا تولع الباش بمسرح الطفل ودخل عالمه المدهش والممتع فترجم بعد ذلك عدة مسرحيات للأطفال، وكتب اثنتين، وأخرج هذا العمل مع طلاب مدرسة الفن المسرحي الذين يظهرون من خلاله كممثلين محترفين في عملهم الأول.
أما الموضوع الذي تعالجه المسرحية فهو التضحية في سبيل استمرار الحياة.. والقصة تتناول كرة من الثلج على شكل بنت، وكرة أخرى على شكل صبي، تصنعهما طفلة وهي تلعب بالثلج، ثم تغادر المكان لتدبّ الحياة في الكائنين الثلجيين ويتعرف كل منهما على المحيط وعلى أنفسهما، وأخيراً يتوصلان إلى حقيقة أن بقاءهما يهدده شروق الشمس، وهنا يقرر الكائنان الثلجيان الذهاب إلى الشمس كي يطلبا منها أن تتأخر في الشروق حتى لا يذوبا وتنتهي حياتهما، ولكن في طريقهما نحو الشمس يلتقيان بعدد من الحيوانات، أولاً بالسنجاب، ثم بالقنفذ، وبعده بالأرنب، وأخيراً بالغراب، ويتبين للثلجيين أن كل الحيوانات بحاجة إلى الشمس والطبيعة أيضاً، وعندها يرسل الكائنان الثلجيان رسالة مع الغراب إلى الشمس لا يطلبان منها التأخر في الشروق، بل على العكس يرجوانها أن تشرق بسرعة لأن الطبيعة والحيوانات واستمرار الحياة بحاجة ماسة إلى الشمس، فيضحّي الثلجيان في طريقهما نحو الشمس بالشريطة التي كانت بنت الثلج تتزين بها، وبالقبعة الصوفية التي كان صبي الثلج يضعها على رأسه، ثم يضحيان بأنفهما الجزريين للأرنب الجائع، وأخيراً يضحيان بنفسيهما عندما يطلبان من الشمس أن تشرق، وهما على يقين من أنهما سيذوبان بمجرد بزوغها.
ويهدف العمل كما نوه الباش إلى تنمية المحبة والإيثار في قلب المتفرج الصغير عبر قالب فني مرح وشفاف يفتح آفاقاً جديدة في خيال الطفل وينمي شخصيته ويغنيها.

أكثر من مهرجان
ويتفق سعيد عطايا مع ما قيل عن أهمية المهرجان في الوقت الحالي، مؤكداً أن أطفالنا اليوم بحاجة لأكثر من مهرجان، لنعيد الفرح والسعادة لقلوبهم المتعبة في ظل الظروف الحالية التي يعيش فيها أطفالنا حرماناً كبيراً من أمور كثيرة، كان قد اعتاد عليها قبل الأحداث الراهنة في سورية، ولم يرَ عطايا في وجود أربعة أعمال مسرحية فقط ضمن المهرجان عيباً، خاصة أنها موزعة جغرافياً في أماكن مختلفة، ورأى أن قلة الأعمال سببها ظروف العمل المسرحي في الوقت الراهن. وبيّن  عطايا أنه يشارك عبر فرقته الخاصة بعمل تحت عنوان “جحا” تأليف أحمد السلامة وهو يحكي حكاية جحا مع أصدقائه الذين يتسابقون للحصول على الصندوق الذي فيه مال أغلى من الياقوت والمرجان، وعندما يقوم حارس الصندوق بإعطائهم الصندوق يجدون فيه حكمة تقول أن المحبة والصداقة والتعاون أغلى من الياقوت. ونوّه عطايا إلى أن عرض “جحا” سبق وأن عُرِض في أماكن متفرقة من دمشق وريفها، وأكد أنه يؤمن وينحاز إلى الترفيه في مسرح الطفل لأن طفلنا –برأيه-يحصل على المعلومة من مدرسته وكتبه، وبالتالي هو يحتاج لمشاهدة ما يجلو الهمَّ عن نفسه، وإن لم ينفِ ضرورة أن يحمل أي عرض رسالة، ولكن هذه الرسالة يجب أن تُقدَّم بأسلوب ترفيهيّ وعبر أسلوب المسرح التفاعلي الذي يدعو لمشاركة الطفل في مسيرة العرض المسرحي، وذلك لكسر الحاجز بينه وبين الخشبة، ويعترف أن ذلك يتسبب أحياناً بالفوضى، لكن هذا الأمر يجب ألا يثني عن فعل ذلك..من هنا ترافق عروضه دائماً شخصيات كرتونية يحبها الأطفال لترقص وتغنّي معه لنشر البهجة داخل المسرح، إلى جانب تقديم الأغاني وحثِّ الطفل على الرقص، وكذلك إقامة مسابقات يتم فيها توزيع هدايا رمزية.

أبسط الحقوق
تقول السيدة لمى داوود وهي أم لطفلين أن فكرة المهرجان رائعة ومسلية للأطفال والكبار على السواء، وخاصة في هذه الظروف التي حُرِم فيها الطفل من أبسط حقوقه مثل الفرح والسعادة والضحك، فكيف إذا تزامن مع العيد، ومن خلال عروضه تتحقق التسلية والإفادة المعرفية والأخلاقية، فهي تجعل الأطفال يميزون بين الخير والشر، والصح والخطأ، مع تأكيدها على ضرورة أن تبث هذه العروض الفرح والسعادة، حيث يجب أن يكون العمل المسرحي الموجه إلى الأطفال انتقائياً يخلو من الرعب والمؤثرات المخيفة لأن الأطفال جميلون ويحبون كل ما هو جميل.. وبيّنت أن المسرح هو المكان المثالي الذي يكتسب الطفل من خلاله المعارف والمبادئ والهدوء والالتزام والإصغاء والتفكير والتفاعل، وهي من الأمور التي يعيشها الطفل في المسرح وعنصر أساسي تجعل الطفل مبدعاً وخلاقاً ومنطِلقاً.

برنامج المهرجان
*”من يوقظ الشمس” إخراج د.سمير عثمان الباش مجمّع دمّر الثقافي الساعة 12 ظهراً.
*البطاريق ورجل الثلج” إخراج مأمون الفرخ مسرح القباني الساعة 5 مساءً.
*”مزرعة الأصدقاء” إخراج خوشناف ظاظا مسرح العرائس الساعة 5 مساءً.
*”جحا” إخراج سعيد عطايا حديقة تشرين الساعة 7 مساءً.

أمينة عباس