ثقافة

“باديكارد” في الأوبرا إبراهيم حاتمي كيا يتصدى للإرهاب ويتناول الطاقة النووية

حماية الوطن تعدّ من المقدسات والإنسان يموت من أجل الدفاع عن عقيدته، ولكن ما مدى إمكانية حدوث الخطأ في حماية أحد السياسيين المهمين والذي له دور كبير في حماية شعبه؟ مما يؤدي إلى الاتهام بالتراجع العقائدي.

هذه المفاهيم تنضوي ضمن المحور الأساسي للفيلم الإيراني العالمي”باديكارد” الذي يدور حول مهمة الحماية الشخصية، والذي تصدى فيه المخرج وكاتب السيناريو إبراهيم حاتمي كيا للإرهاب الذي يستهدف حياة السياسيين ويقضي على آلاف المواطنين الأبرياء، ويتقاطع هذا المحور مع التهديد باغتيال علماء الذرة الذين يوظّفون خبراتهم لإنتاج الطاقة النووية للاستخدامات السليمة، والذين يمارسون دورهم في مفاصل السلطة كما كشفت المشاهد، كما يتقاطع أيضاً مع خطوط اجتماعية تتغلغل في المجتمع المدني الإيراني.

سينما الثورة
تزامن افتتاح عرض الفيلم الذي حاز على جوائز عالمية وشغل مكاناً في المهرجانات العالمية في أوبرا دمشق وسينما كيندي- دمشق مع يوم السلام العالمي الذي يصادف في (21) أيلول من كل عام، ما يؤكد على أهمية رسالة هذا الفيلم الذي تميّز ببطولة برويز برستوئي الملقب بـ”سوبر نجم” والذي حصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره العقيد حيدر البطل الأساسي في الفيلم، وهو أحد ضباط الجيش الإيراني الذي كان له دور مهم مع مجموعته.ويندرج هذا الفيلم ضمن الأفلام الإيرانية العالمية التي يطلق عليها سينما الثورة التي أوصلت السينما الإيرانية إلى العالمية، والتي تنطلق من حرب الثمانينيات الحرب العراقية – الإيرانية المندمجة مع الأحداث العالمية وأهمها الإرهاب.

الواقعية الجمالية
تناول كيا زوايا فيلمه من إطار السينما الواقعية والتركيز على الدور الإعلامي من خلال نشرات الأخبار، والدور الذي يقوم به الصحفيون في نقل الحدث المباشر، لكنه أضاف لقطات ومؤثرات بصرية أغنت التصوير الواقعي للفيلم من خلال تقنية الحلم واسترجاع الأحداث، والمؤثر الجمالي الذي استند إليه المخرج في بعض المشاهد تزامن مع شفافية الموسيقا التصويرية لوتريات الكمان الرهيفة والتي أخذت دورها كصولو منفصل في مواضع، كما تعمق كيا في توظيف الأمكنة الخارجية للربط بين الأحداث لاسيما النفق المظلم الذي أظهر حقيقة مفهوم الحماية والتضحية بالذات في سبيل الوطن وحماية الأشخاص الذين يؤثرون في مصير البلد والشعب.

الإرهاب الممنهج
المحور الأساسي في الفيلم هو الإشارة إلى التخطيط الإرهابي الممنهج من خلال تنفيذ العملية الإرهابية التي بدأ بها المشهد الأول، لتستكمل بصورة أخرى النهاية المفجعة والحزينة في المشهد الأخير. ليواجه صوت الآذان الفكر الظلامي لقتل النفس بغير حق، ويواجه العمامة السوداء والتكبير المستخدم بالقتل والتفجير.

الدبلجة السورية
فيلم باديكارد الذي أضاف نجاحاً كبيراً إلى السينما الإيرانية توازى أيضاً مع الدور الكبير الذي قام به الفنانون السوريون الذين دبلجوا هذا الفيلم بإحساسهم وبأصواتهم، فنقلوا لنا إبداع الممثلين الإيرانيين بدقة وشفافية يثبت جدارة المشهد الثقافي الفني السوري، منهم (مظهر الحكيم- بسام لطفي –علي كريم -وفاء موصللي –قصي قدسية –مروان فرحات).

تجميد المهمة
يضعنا المخرج إزاء الحدث مباشرة حينما تتوغل الكاميرا في رمال الصحراء لتصوّر المروحية التي تنتظر د. صلوتي النائب الأول لرئيس الجمهورية، الذي يزور إحدى المناطق النائية التي جفت فيها مياه بحيرة رحمون فتعرض السكان للعطش، ويتجول في القلعة التي تحتاج إلى ترميم كخطوة تمهيدية لتنفيذ عملية إرهابية تستهدف اغتيال النائب من قبل أحد الإرهابيين الذي يتظاهر بأنه من سكان المنطقة فيخترق تجمع السكان ليقترب من د. صلوتي، وبلحظة خاطفة يستدرك العقيد حيدر المرافق الشخصي للنائب الخطر ويطلق النار، لكن الإرهابي يكبّر ويفجّر نفسه فيصيب د. صلوتي بشظايا خطرة قريبة من حنجرته ويموت العشرات الأبرياء ويصاب كثيرون بعاهات، ومن هنا تتتالى الأحداث الشائقة والمؤثرة.فالأمر لاينتهي عند إصابة د.صلوتي إذ تبدأ عملية التحقيق الخاص واسترجاع الصور من الكاميرا وتحليل جزئيات عملية الإرهاب، خلال هذه المرحلة يعيش حيدر صراعاً داخلياً ويشعر بتأنيب الضمير ويحمّل نفسه مسؤولية موت الأبرياء وإصابة النائب.

الذرة والسلطة
يوصل المخرج بين خط الإرهاب وخط الذرة من خلال وجود المهندس العبقري ميسم الأستاذ الجامعي الذي يعمل بمجال أبحاث الذرة لدى الوكالة الذرية الإيرانية لإنتاج الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، والذي يكلف حيدر بحمايته الشخصية لتأديته المهمة الأخيرة قبل إحالته إلى التقاعد وبناء على قراره في بعده عن حماية السياسيين لشعوره بالذنب، ليخلص المخرج إلى إيضاح العلاقة بين علماء الذرة ورجال السياسة بإيماءة واضحة إلى أهمية المشروع النووي السلمي الإيراني، من خلال حوارات خاصة تضمنتها المشاهد لعل أكثرها وضوحاً الحوار الذي يدور بين د. صلوتي والمهندس ميسم، إذ يفاجئنا المخرج بأن النائب كان أستاذ ميسم الذي يقول له”السياسة أخذتك منّا يا أستاذي فيجيبه أنا جندي في هذا البلد أؤدي واجبي في أية مهمة أكلف بها”.

التراجع العقائدي
المنعطف الذي غيّر مسار الأحداث هو نتيجة التحقيق الذي أظهر من خلال الصور وتجسيد الواقعة في مكتب المحقق من قبل حيدر ورئيسه إشرافي أن حيدر تباطأ في حركته، ووضع يده على صدر د. صلوتي واستخدمه درعاً بشرياً بدلاً من رمي نفسه أمامه، فاتهم بالتراجع العقائدي عن المقدسات التي منها حماية السياسي، فيجمد ويوقف عن العمل.

النفق المظلم
المشهد الأخير حمّل الكثير من الألم وأثر بالمشاهدين الذين بدا الذهول والحزن بادياً على وجوههم، فبعد موت د. صلوتي رغم كل المحاولات الطبية لشفائه يتوجه الجميع لحضور العزاء في منزل الراحل، ثم تمرّ السيارات من النفق المظلم الذي يشهد النهاية المفجعة، حينما ينتبه حيدر رغم أنه خارج الخدمة إلى قنبلة توضع من قبل إرهابي يقود الدراجة بسرعة جنونية على باب سيارة ميسم ومعه خطيبته، فينبهه لفتح باب السيارة، وبلحظة خاطفة يقود حيدر سيارته بسرعة جنونية فيكسر باب السيارة حامل القنبلة لتنفجر بسيارته، لكنه يخرج سليماً مع زوجته راضية ويفرح بنجاة ميسم المذهول من خطورة الموقف والذي كان طوال الفيلم يرفض مبدأ الحماية الشخصية. ولم يتوقف المخرج عند هذا الحدث وإنما يوظف الجزء الأخير من المشهد المؤلم ليبّن التكثيف الإرهابي والخطة البديلة التي يستخدمها الإرهابيون، ويؤكد على التحقيق في مفاصل الإرهاب كما طالب في المشهد الأول، وربما ليتوقف عند تسريب المعلومات.

الموت من أجل العقيدة
ويتابع المشهد بعودة الإرهابيين على الدراجة داخل انعطافات النفق المظلم وإطلاق النار باتجاه ميسم.. لكن هذه المرة يرمي حيدر نفسه ويحمي ميسم ويستقبل الرصاص لينقذ عبقري الذرة، ويثبت للجميع بأن الإنسان يموت من أجل عقيدته ومن أجل الوطن المقدس. استخدم المخرج في اللحظات الأخيرة تقنية الصورة البطيئة لتصوّر الدم المراق والجثث الملقاة على الأرض وسيارة الإسعاف وسيارة الإطفاء القادمتين من الاتجاه المعاكس مع التركيز على بلاط الرصيف المتناوب بين الأبيض والأسود كرموز ودلالات إلى المفارقات والتناقضات بين الحق والباطل بين الشر والخير.
ملده شويكاني