مجــد لـــم يغــب
سلوى عباس
اليوم.. وفي زمن الوجع الذي يحفر ندوبه عميقة في أرواحنا، يحضر التاريخ يتبختر في أروقة المكان لينسج بعبقه المجلي عباءة المجد التي ارتدتها سورية على مر العصور، تستنهض الربيع لينشر نسغه في عروق يبستها الفواجع والأوجاع، فيستيقظ ياسمينها لينشر أريجه في أرجائها، ويرتب مواعيد الاحتفال والفرح بالنصر الذي رسم لسورية مجدها المسطر على أشرعة الحلم. فجر جديد معطر بندى تشرين ينشر عبقه في أرواحنا ويدعونا للحياة.. لحظات تحولت حروفها في وجداننا ضياء وبيارق من ألق خفقت في شرايننا أغانيها، وهاهي الذكرى تطل لتعود بنا إلى تلك الليلة التي كانت نقطة التحول في حياتنا حيث أخذت سورية تغزل من خيوط الشمس مجد تاريخها ومستقبل أبنائها الذين يتباهون بوجودهم في وطن يضمهم ويمثل انتماءهم للحياة، فنرى كل مواطن من موقعه يعبر عن فرحه بهذا الانتماء، فما يعيشه الإنسان من حالات تصبح جزءاً من وعيه لانتمائه الوطني، هؤلاء الناس المتقدة قلوبهم بشعلة الإيمان والأمل على تجاوز محن الحياة هم من يملكون القدرة على صياغة الحاضر والمستقبل بإرادة وتصميم على مواجهة كل التحديات، هذا مارسّخه تشرين التحرير منذ ثلاثة وأربعين عاماً في وجدان الشعب السوري الذي امتلك مقومات الحلم والإرادة وسر الحياة، ومازال مفعماً بالعطاء ومستعداً لتقديم كل ما يملك في سبيل أن تبقى راية سورية خفاقة في سماء العزة والكرامة الإنسانية.. سورية المزروعة فرحاً وأزهاراً وعصافير هي أم أولئك الأبطال الذين مازالت تنبض في قلوبهم دماء عربية، أولئك الأبطال الذين صمموا على التحدي وإن عظم الخطر، قرروا مواجهة العدو بكل أشكاله، هذا هو قدر سورية وأبنائها، ففي هذا الزمن ليس من موقف محايد، وما من صمت، فإما أن نكون في موقف الرفض، أو نكون في موقف القبول، ومهما كانت الجراح كبيرة لن تعيق إرادة الصمود عن مواصلة شق الدرب نحو شمس الحرية والكرامة، ومهما طغى الطوفان وارتفع، فلابد آتية لحظة انحساره وتلاشيه، زبداً وفقاعات فارغة على صخور الإرادة والتصدي.. ستبقى سورية صامدة، ستبقى متحدية كل الصعاب لأن عزيمة الرجال هي التي تصنع النصر، ولأن الذين صنعوا حضارة العالم وناضلوا في سبيل الإنسانية هم الرجال الحقيقيون الذين مجّدهم التاريخ وحفظ أسماءهم في أنصع صفحاته.
هذه هي سورية حبيبتنا التي ترسم أحلامنا، وفي لحظة من عمر الزمن يهمي كل الياسمين من عليائها في قلوبنا، ويفترش الحنين ضلوعنا، يدخل اسمها في وقع أيامنا من بوابة الشغف، لتفتح قلوبنا على الحياة، وحالما نغلق جفوننا عليها ينهمر المطر.
سورية التي تعيش الآن ذكرى انتصاراتها المتواصلة، وهي تعاني ما تعانيه من ألم يأتي احتفالها مترنماً على وقع أقدام رجالها الشجعان الذين يسطرون في كل يوم انتصاراً جديداً يطوق جيدها بياسمين العزة والفخار.. سورية التي كانت على مر الزمن موئلاً للثقافة والتراث العربي والعالمي، ستبقى حلماً لعلماء التاريخ لزيارتها والاطلاع على تراثها وأوابدها التي شهدت بزوغ الحضارة.. هي تلك المشاعر التي تشكل نبضنا وتتوسد أرواحنا، وتفتح نوافذها لنسائم السلام لتهب على قلوبنا المطبقة على أوجاعها تنتظر تبدل الفصول لتزهر على شفافها أزاهير الربيع.. هاهو التاريخ يعود إلينا عبر الذاكرة يروي للأجيال القادمة حكايات لاتنتهي عن سوريتنا التي يرتسم المجد على جبهتها تضحيات قدمها أبطال سورية من أجل أن يعيش وطنهم عرس الانتصار، وتبقى راية الكرامة والقيم ترفرف في سمائها، ولتكون كل مدينة في سورية عاصمة الدنيا وإشراقة لتاريخ المجد الذي لم يغب.